هناك شائعات يجب التصدي لها؛ لأن الذين يطلقونها إنما يطلقونها من أجل الإثارة أحيانا وأحيانا من أجل تصفية حسابات تخدم أهدافهم، أو من أجل دق الإسفين وتأجيج الشارع والرأي العام، وهو ما علينا أن نقف جميعا له بالمرصاد.
إن الشائعات التي تتهم جهات عليا بتدبير عملية اغتيال المرحوم الصوفي ولد الشين هي شائعات سخيفة، ولا تنطلي ادعاءاتها إلا على السُّذج والمخبولين. ذلك أن المرحوم الصوفي ولد الشين رجل ينافح عن المجتمع ووحدته ومصالحه، وكان يعمل في صف النظام ومساعيه لرص الوحدة الوطنية. فكيف يستهدفه النظام بمؤامرة؟ هذا أولا.
ثانيا، الجهات العليا إن أرادت اغتيال مواطن فلن تغتاله بهذه الطريقة الفجة والمكشوفة؛ فابتلاع قرص يرفع ضغط الدم، أو آخر يلاصق الصفائح الدموية، أو تركيب جهاز يثقب عجلة السيارة الأمامية عندما تتجاوز سرعتها 110 كيلومتر، أو رصاصة طائشة مجهولة المصدر، أو هجوم بفرقة اغتيال مسلحة في ثوب عصابة لصوص؛ هي آليات اغتيال كغيرها من أساليب الاغتيال الشهيرة والقديمة والكثيرة التي كانت تقوم بها أجهزة استخباراتِ كثيرٍ من البلدان أوانَ الظروفِ الاستثنائية، على غرار تعطيل بعض آليات تحكّمِ الطائرات، والتسميم بالأشعة عن بعد؛ والتي يصعب على المحققين إيجاد دليل قاطع على أنها عمليات اغتيال.
أخبروني بربكم ما الخطر الذي كان يشكله المرحوم على الدولة حتى تتم تصفيته؟
أخبروني بربكم عن عملية اغتيال واحدة اتُّهمت بها أجهزة الدولة الموريتانية في العقود الثلاثة الماضية رغم تجبّر بعض أنظمتها؟ أو عن عملية إعدام خارجَ أو طِبقَ القانون تم تنفيذها من طرف أجهزة الدولة خلال الثلاثين سنة الماضية؟ رغم كثرة الخصوم وقوة المعارضين لتلك الأنظمة.. كيف لأجهزة الدولة أن تغتال حقوقيا وداعية سلام وأُلفةٍ معروفا بطرحه السلمي الوسطي الجامع؟ أين عقولكم؟
إن عدم الكفاءة في استيعاب وتطبيق آليات التعامل مع الإعلام الجديد، والتأثير على الرأي العام جعلت الغوغاء تبث سمومها حيث شاءت وأين شاءت، والأمر أخطر من أن يترك لرجال الإعلام التقليديين عندما يتعلق الأمر بخطر داهم على أمن وسلامة المجتمع.
هذا العجز الإعلامي صار عبئا على الدولة وعلى صانع القرار وعلى مصالح مختلف المؤسسات التي تجد اليوم نفسها عاجزة أمام إعلام الشارع الذي لا يرحم، والذي قطعا لا يواجه ببردة البيانات والصياغات الفارغة من كل شيء إلا قابلية للتأويل السلبي.
كثير على موريتانيا أن تخسر أحد أبنائها البررة الساعين في وحدتها.. والاتجاه الوحيد الصحيح هو إنصاف الضحية، والتفكير السليم في خطط ناجحة لمواجهة إرادة الغوغاء التي كانت أقل رشدا في دول أكثر منا تقدما.
لقد حان أن نتعظ.
إن ما حدث هو أن عنصرا من الشرطة، وبصفة شخصية، قرر استغلال نفوذه لتحقيق مكاسب شخصية، وقد تعاون معه بعض زملائه؛ وهذا خطأ يقع في كل دول العالم وفي أعرق ديمقراطياتها، وليست قضية مقتل الأمريكي "أفلويد" منا ببعيد.
الجناة يجب أن يحاسبوا، ويجب أن يحاسبوا جميعا، وكون مدير الأمن اللواء مسغارو ولد لغويزي رفض أن يتدخل لصالح من تربطه به علاقة المصاهرة، فعلى ذلك الوزير ذي الوزارة السيادية أن لا يتدخل لصالح من تربطه به علاقة النسب، وأن لا يتركه يستغل اسمه للإفلات من القضية، وأتوسم فيه خيرا نظرا لكثير من العوامل .. يجب أن يطال التحقيق جميع الضالعين؛سواء الضالعون بالتنفيذ، أو الضالعون بالتسهيل، أو الضالعون بالتعامي .. يجب أن يطال الجميعَ وفق القانون، والقانون فقط.
أخطأ أفراد من شرطة ولاية نواكشوط الشمالية، وأخطأ معهم من رتب لهم الأمور في نفس الولاية وكان يرتبها لهم قبل ذلك ويرتبون له أموره، وهم جميعا لا يمثلون سوى أنفسهم، إنهم ضد الدولة، وضد المجتمع بجريمتهم التي ارتكبوها، ويجب أن ينالوا جميعا جزاءهم.
عالي محمد ولد أبنو