وصل ما بات يعرف بملف فساد العشرية من فترة حكم الرئيس السابق السيد محمد ولد عبد العزيز مرحلة الحسم القضائي عبر الإنطلاق الفعلي لمحاكمته رفقة بعض رموز نظامه بعد إكتمال مراحل تحقيق وبحث و تدقيق أخذ وقتا طويلا لاقي ارتياحا و قبولا لدي السلطات و الأوساط الشعبية و أثار موجة غضب و استياء و جدل داخل أوساط المتهمين،حيث تم تكييف التهم الموجهة إليهم قضائيا بالفساد و الإثراء غير مشروع و غسل الأموال بالإضافة إلي منح أمتيازات غير مبررة في صفقات حكومية للإضرار بمصالح الدولة .
في حين نفي المتهمون جملة وتفصيلا هذه التهم كما وصف الرئيس السابق و أكد في خرجاته الإعلامية بأن محاكمته تندرج في إطار تصفية حسابات سياسية ليس إلا.
بينما تري السلطات بأن المحاكمة جنائية بحتة و لا علاقة لها بالسياسة إطلاقا بحكم و حجم ما يتضمنه الملف من قضايا فساد كبري أضحت قضية رأي وطني في ظل مطالب شعبية واسعة
بضرورة إسترجاع أموال الشعب المنهوبة مما سيدفع بالقائمين علي شأن القضاء إلي تحمل مسؤولياتهم و يضعهم علي المحك.
إن الفساد ظاهرة سياسية اجتماعية قديمة أرتبط وجودها بنشأة السلطات والدول و تجاوز انتشارها الحدود و الحواجز بين البلدان كما ارتبطت الظاهرة بضعف قيم النزاهة و مبادئ الشفافية و نظم الرقابة الفعالة و المساءلة في المجتمع بالإضافة إلي الجشع المالي مع غياب الوازع الديني وروح المواطنة و جهل المواطن لحقوقه و واجباته .
يتسبب الفساد في تكلفة اجتماعية و اقتصادية و سياسية باهظة حيث يعمل علي إعاقة عملية التنمية و تحقيق الإزدهار للشعوب و يساهم في تكريس الفوارق الإجتماعية من غبن و تهميش و يقوض بناء الديمقراطية و يقلص مجال دولة القانون و المؤسسات مما يملي حتمية أن تكون الوقاية منه ضرورة و مصلحة عامة شاملة في ظل معاناة شعب طيب و بريئ ذاق الأمرين لعقود طويلة تحت مسميات متغيرة و شعارات زائفة و كاذبة بسبب فساد ممنهج لأنظمتنا السابقة .
إن المواطن يتطلع اليوم في خضم زوبعة ملف العشرية و ما أثير حوله من رأي و رأي مضاد في محاولة تسييس يائسة و الخروج به عن نطاقه الجنائي إلي مقاضاة و محاكمة عادلة دون أيما استهداف مسبق إسكاتا للمشككين من المحامين الأجانب و غيرهم و سعيهم للنيل من سمعة و قدرة و صدق و نجاعة منظومتنا العدلية و كفاءة قضاتنا مما قد يشكل منعطفا تاريخيا هاما في مسار العدالة الموريتانية منذ قيام الدولة الحديثة سيؤسس لا محالة لمرحلة جديدة من الحرص علي المصلحة العامة و الحفاظ علي مقدرات وخيرات الشعب و القطيعة التامة مع الفساد في كل تجلياته و ممارسات الماضي السيئة والمشينة و عدم الإفلات من العقاب و المساءلة و تجاوز القانون و حرمان الضحية من العدالة.
إن حق المتهم في محاكمة عادلة يعتبر من الحقوق الأساسية للإنسان يجب أن تضمن له كافة الوسائل القانونية الضرورية للدفاع عن نفسه .
فمن حقه ان يحاكم امام قاض طبيعي و ان يوفر له الضمانات الدستورية لأن حياد القاضي و استقلاله من أعظم الضمانات الواجب توفرها لإحقاق الحق و تطبيق العدالة الجنائية .
كما يجب ان يستفيد المتهم أو من يمثله من سلسلة من الضمانات الإجرائية من شأنها ضمان حصول الأفراد علي محاكمة عادلة و حمايتهم من الحرمان غير قانوني من حقوق الإنسان و الحريات الأساسية في ظل التوفيق بين مقتضيات حماية الحرية الفردية من جهة و ضرورة الكشف عن الجرائم و محاكمة مرتكبيها من جهة أخري،مهما يكن موقع و مكانة صاحبها في هرم الدولة و المجتمع .
الشى الذي أكدته السلطات القضائية مرارا وتكرارا عبر مختلف المنابر الإعلامية و حرصت عليه في كل المراحل طبقا للأصول القانونية.
تأسيسا لما ما سبق فإن من الضروري الإرتقاء بالنفس والنأي بها عن التجاذبات الحاصلة في مواقف و تعصب بعض الأطراف و التصرفات اللامسؤولة و المستفزة لبعض الأشخاص و التصريحات المتكررة و تبادل الشتائم و إثارة النعرات من حين لآخر خارج أسوار العدالة و أمام بوابة قصر العدل الرئيسية لا يخدم القضايا العادلة و لا التعايش الأهلي و لا قضية ملف العشرية.
تفاديا للتأثير و التشويش علي مسار و مجريات المحاكمة ،خاصة أن معظم المؤشرات و المعطيات تشير و تؤكد ان محاكمة الرئيس السابق ولد عبد العزيز و بعض رموز نظامه ستستمر طويلا نظرا لحجم وسعة و تشعب قضايا الملف .
بالإضافة الي ضرورة تمكين العدالة هيئة الدفاع عن المتهمين من حق الرد و إعطائها الفرصة للوقوف علي ابعاد و خبايا المحاضر القضائية بغية التحضير و تهيئة الظروف المناسبة للردود والطعون ورفع اللبس عن أشياء أخري مما يتطلب وقتا طويلا في انتظار مآلات المحاكمة .
فمن قتلته الشريعة فلا أحياه الله.