ما حوصِر قوم إلا ازدادوا عزًّا!

في السنة السابعة من البعثة النبوية حوصر النبي صلى الله عليه وآله وسلم في شعب بني هاشم مع ثلة من صحابته وقرابته مدة ثلاث سنوات.

فشل الحصار بعد أن خرقه رجال من قريش استيقظت ضمائرهم و أنّبتهم نفوسهم أن يحصروا قرابتهم ويمنعوهم الميرة والعون.

خرج النبي صلى الله عليه وسلم عزيزا كما كان، ومعه صحابته وقرابته لم يمسسهم سوء، وبقي الحصار وصمة في جبين من دبروه بليل.

الدول والشعوب أيضا تُبْتلى وتُمْتحن كما يُمتحن الأفراد والجماعات، اجتباء وتكريما، تماما كما يصهر النُّضار بالنار، فيخرج الُّلجيْن ذهبا إبريزا ويذهب الزبد جُفاء ويبقى ما ينفع الناس في الأرض شامخا كمعالم الدوحة المنيفة.

من شَعْب بني هاشم إلى دوْحة قطر، دار الزمان دورته من السنة السابعة للبعثة إلى رمضان من عام ثمانية وثلاثين وأربعمائة للهجرة، ليعيد الأقربون حصار بني عمومتهم ظلما وعدوانا، وزورا وبهتنا، وليقطعوا الأرحام، ثم لا يجدون إلى تبرير ذلك سبيلا، بل سلكوا سبيل العنجهية والمكابرة. ولذلك أحس أهلنا في قطر بالفجيعة والمرارة، وتمثلوا قول الشاعر العربي المتقدم :

وظلم ذوي القربى أشدّ مضاضة * على النفس منْ وقْع الحسام المهنّد
قطر التي عرفها التاريخ بكعبة المضيوم، ستنجو من المحن والشدائد، وقد شهد لها العدو قبل الصديق بما قد صنعت لأهلنا في غزة هاشم من عون كريم، وقاهم زمهرير الشتاء وظلام الليالي، وتلك صنائع المعروف التي تقي مصارع السوء.
وهي كما قال الشاعر :

من يفْعل الخير لا يعْدم جوازيّه *لا يذهب العرْف بين الله والناس
سيفشل الحصار الآثم، وسيخرج أهلنا في قطر أعزة كما كانوا لم يمسسهم سوء، بل نالوا سؤددا وشرفا، بعد أن قاطعهم الأقربون ظلما وعدوانا، واتهموهم زورا وبهتانا، وفوّقوا إليهم سهام الظن وهو أكذب الحديث وتمنوا لهم مقاتل السوء من غير جرم ارتكبوه.

سيكسب القطريون صلابة على صلابتهم، وسيكسبون مرانا ومراسا بالتجارة الدولية أكثر من ذي قبل وهي خبرة لا تشترى بالأثمان تحميهم عاديات الدهر وتقلبات الزمان، وسيدفعهم الحصار الآثم طال أو قصُر إلى سدّ خلتهم بما تزرعه أيديهم وسيسْقون منْ غُدَرهم ويطعمون من كسْبهم، ثم يعتادون المحنة فيرجع إليهم ما دأب عليهم سلفهم من تمّضُّرٍ وتمَعْدُدْ وخشونة وصبر، تحميهم غدر الأيام وعاديات الليالي.

وإذا أراد الله للحصار أن يمتد إلى أجل غير مسمى، فتلك مشيئة الأقدار، وحينها سيكون للتاريخ شأن آخر، ومعناه أن زمان حديث المصطفى صلى الله عليه وسم “وعدْتم من حيث بدأتم” آذن بالشهود، وسينفرط عقد الممالك الكبرى وتطوف الفتنة بالجزيرة وتعركها برجليها، وتصبح كل بلاد العرب خربا يبابا تنعى من بناها، ثم يؤتي الله ملكه من يشاء !

وإذا انتهى الحصار على صيغة لا غالب ولا مغلوب فسيكون نصرا للأخوة على الشيطان وقطيعة الرحم، وسنشهد آية ربانية في صحيفة الاتهامات الظالمة لقطر، و أن الله بقدرته سلط عليها بعض مخلوقاته لتأكلها كلها ولم تُبْق منها بقية لأنه ليس فيها اسم الله ولا آياته بل هي كلها باطل وزور. تماما كصحيفة مشركي قريش.

  شارك المقال: