لماذا لم يمنح المرشحون للغتنا وعدا ولو مكذوبا؟ (2)

قد يكون الصمت أشد خطرا من الجبن والتواطؤ ، فعندما يتوهم المرشحون للرئاسيات أن التقدم ملحاح يتم بمرور الزمن ، و أن كل ما هو لاحق يتطور باستمرار على ما سبقه ، فهذا عجز فى موازنة الفكر و التنظيم وتفريغ للمحتوى الابداعي من كل طاقة أو رمق ، وهذا هو الذي تسعىى إليه النخب

المستلبة ، حيث ترتهن للآخر ، وتقترف ما هو اشد استبدادا من الحكام ، وتحتكر المنابر وتنشر الآراء المغشوشة في كل سانحة تتخلص فيها من خصومها المثقفين والمناضلين الشرفاء الذين يدافعون عن الوحدة الوطنية ،وتقوية النسيج الاجتماعي ويجاهدون من أجل المحافظة على الثوابت والمقدسات واستعادة الهوية ، ومدالجسور مع المحيط التاريخي والحضاري للأمة انطلاقا من رؤية أصيلة.

كما تدرك هذه النخب أن عليها الالتزام المطلق بشرط الولاء للخطاب الإستعماري فتكرس السردية الأجنبية و تساهم بنشاط فى تحقيق الاجندة الاستعمارية خصما لأي بديل ،

و لعل مصيبة معظم هذه النخب أنها صنعت ذاتها من التعليم الأجنبي ، في حين أنها تقصر عن بلوغ كنه الثقافة الغربية التى تنتحلها مطمئنة لما تقول دون أي بحث عما تقصد حقا ، مع أنها تدرك أن بعض الكتاب والثوار العروبيين والكونيين تجاوزوا المحلية جراء فكرهم ونضالهم وأمانة انتمائم الى الشعب .

لقد استهدفت السياسة الاستعمارية بوضوح استئصال اللغة العربية في سبيل عملية مزدوجة تتمثل في إقصائها بيداغوجيا والحط من شأنها ثقافيا. وقد كانت تلك النتيجة تبدو محققة غداة الاستقلال .

ورغم أن اللغة الفرنسية لم تعد هي اللغة الرسمية، فإنها ظلت مع ذلك سائدة حتى الآن في كافة مراحل التعليم وفي القطاعات الإدارية والاقتصادية والمالية ومتستخدَمةُ في جميع وسائل الإعلام

ونظـرا للمواقع التي تحتلها هذه اللغة فقد تم الإعتراف بها لغة للترقية الاجتماعية بدونها يصعب على المرء أن يشق طريقه في المجتمع ، حتى أن بعض أنصار التعريب قد كونوا أبناءهم في مدارس فرنكوفونية اضطرارا .

وكان من نتائج تغول اللغة الفرنسية وغياب الحس الوطني والقومي لدى صناع القرار في بلادنا، ومارافق ذلك من استلاب النخب المتنفذة وحتى فئات وشرائح عريضة من المجتمع، أن وجهت السياسات التربوية والثقافية والاجتماعية إلى اعتماد اللغة الفرنسية، بدل اللغة العربية في مجالات التعليم والتكوين، وكأن هذه اللغة الأجنية هي التي يمكنها أن تكون لغة علم ومعرفة وتكنولوجيا وثقافة كونية !!

وهذا على خلاف مايراه علماء التربية من أن المعارف التي يتلقاها الطفل بلغته الأم تكون أسهل تحصيلا وأعمق أثرا من المعارف التي تلقاها بلغة مازال في طور تعلمها، كما أن لغته الأصلية، تسود يوميا في الحياة العائلية والاجتماعية. وتظل في الميدان الدراسي لغة للتواصل بين التلاميذ والمدرسين .

وفضلا عن ذلك فإن النصوص المودعة في كتب تدريس اللغة، أي لغة لن تكون محايدة فهي مشحونة بمعارف حضارة تلك اللغة، لذلك لا يخلو نص عربي مثلا من ذكر لحديث شريف، نصا أو روحا، أو حكم وفوائد جمة أخرى ، سيما أن اللغة العربية ذات ميزات عديدة، فهي أوسع اللغات وأصلحها ، ولها جذور متناسقة لا تجد لها مثيلا في اللغات الأخرى ،مع أن البيان الكامل لا يحصل إلا بها لقوله تعالى ﴿ بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ ﴾ فدل ذلك على أن سائر اللغات دونها في البيان.

وفوق ذلك لابد من النظرإلى أهمية اللغة العربية لكونها لغة القرآن الكريم والحديث النبوي الشريف. وبذلك تُعد مفتاح الأصلين العظيمين؛ الكتاب والسنة فهي الوسيلة الوحيدة للوصول إلى أسرارهما، وفهم دقائقهما، ولهذا السبب عني السلف بعلوم اللغة العربية، وحث على تعلمها، والنهل من عبابها.

يقول أمير المومنين عمر بن الخطاب - رضي الله عنه ـ : "تعلموا العربيةَ فإنها من دينكم "، ويقول شيخ الإسلام ابن تيمية: " فإن نفس اللغة العربية من الدين، ومعرفتها فرض واجب؛ فإن فهم الكتاب والسنة فرض، ولا يفهم إلا بفهم اللغة العربية، وما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب،.. وأن اعتياد اللغة يؤثر في العقل والخلق والدينِ تأثيرا قويا بينا، ويؤثر أيضا في مشابهة صدرِ هذه الأمة من الصحابة والتابعين، ومشابهتهم تزيد العقل والدين والخلق".

وخلافا لذلك فإن الجهل باللغة العربية من أسباب الزيغ والضلال لذلك يعتبربعض العلماء الموريتانيون أن تفشي ظاهرة الإلحاد مؤخرا في بلادنا قد يكون مردها أساسا هوالجهل باللغة العربية ، والإقتداء بشخصيات ملحدة ، والركون إلى ثقافات فجة ورخيصة ،أملتها لغات أجنبية لها باع طويل في محاربة ديننا الإسلامي الحنيف ولغته الخالدة .

  شارك المقال: