حنين إلى الذات

محمد سالم ابن جد

غَبَرَ زمان كنت أجد الوقت الكافي – بل الزائد- لنفسي. أخلو بها بعد المجلس أو الواقعة، وقبل الأمر ذي البال، وأثناء الطريق، وعند الاستعداد للنوم، وأحيانا بين الجلساء. أعيد تقويم ما جرى، وأراجع نفسي، وأحاسبها، فأضبط مختلف البراغي التي أراها بحاجة لذلك شدا وإرخاء.. إلى غير ذلك.

ومن العجائب أنني اليوم لا أجد الوقت للقاء نفسي التي بين جنبي! لقد شيدتْ عواملُ خارجية جدارا سميكا بيني وبينها حين استغرقت الشواغل وقتي فاستولى كل على ما يناسبه دون استشارتي، وأحيانا تتعدد السهام في الوقت الواحد فألجأ إلى العول.

أنا الآن أخرج من الأمر المهم إلى نظيره، ومن هذا إلى نظيره دون فرصة للتفكير القبلي ولا البعدي، وفي الطريق أكون مشغولا بما يناسب المقام من شواغلي المختلفة، وما اختلسته من وقتي بين الجلساء يكون للحاسوب الذي أواصل العمل عليه حتى أنام مرهقا دون تفكير ولا وقت له، ثم أنهض مبادرا ما حل أجله من واجب مرتبط بالشبكة العنكبوتية تخفيفا للعبء اليومي. وهكذا وضعت نفسي على الرف!

دأبت على إرجاء محادثة نفسي إلى أن يسمح الوقت، ولم يسمح الوقت وإنما تراكمت الإرجاءات حتى خشيت إعلاني زعيما متوجا لطائفة المرجئة التي ربما لم يعد لها وجود في عالم التجديف والمجازفات.

أحملها بين جنبي، وأنشغل عنها، وأحن إلى لقاء بها.. أليس هذا عجبا؟!

  شارك المقال: