تنتشلون

انتشل بمعنى أنقذ:

يكثر الحديث هذه الأيام عن فعل "انتشل" ووروده لمعنى الإنقاذ، وقد أنكره بعض المثقفين ممن له اطلاع على بعض مصادر العربية، فدفعني الفضول إلى البحث عنه، فلم أجد المعاجم العربية القديمة نصت على دلالته على المعنى المذكور، ومن المعلوم أن المعاجم العربية استوعبت جمهور لغة العرب ألفاظا ومعاني؛ إلا أن ذلك لا يعني أن كل ما أهملته المعاجم عجمي، فكم من مستدركات استدركها عليها جهابذة اللغة وأكدوا ثبوت نقلها عن العرب الأقحاح بالرجوع إلى المصادر المعتمدة!
ومن الواضح أن دلالة الانتشال على الإنقاذ مأخوذة من انتشل بمعنى استخرج؛ لأنك حين تنقذ أحدا ما فإنك تستخرجه من هلاكه أو ورطته (غرق/ حريق...)، والمعنى الأصلي لمادة "نشل": سرعة الانتزاع، وجميع معاني هذا الجذر متفرعة عنه، ولا شك أن الإنقاذ انتزاع يفترض أن يكون على وجه السرعة.
قَالَ الْكُمَيْت (من الطَّوِيل):
وَلَا يطعموا فِيهَا يدا مستكفة ... لغيركم لَو يَسْتَطِيع انتشالها
وإن مما يستأنس به لما ذكرنا: كلام ابن جرير الطبري لقربه من عهد الفصاحة؛ فقد قال في تفسيره ما نصه:
"الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يَرْحَمَكُمْ وَإِنْ عُدْتُمْ عُدْنَا وَجَعَلْنَا جَهَنَّمَ لِلْكَافِرِينَ حَصِيرًا﴾ [الإسراء: 8] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: لَعَلَّ رَبَّكُمْ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنْ يَرْحَمَكُمْ بَعْدَ انْتِقَامِهِ مِنْكُمْ بِالْقَوْمِ الَّذِينَ يَبْعَثُهُمُ اللَّهُ عَلَيْكُمْ لِيَسُوءَ مَبْعَثُهُ عَلَيْكُمْ وُجُوهَكُمْ، وَلْيَدْخُلُوا الْمَسْجِدَ كَمَا دَخَلُوهُ أَوَّلَ مَرَّةٍ، فَيَسْتَنْقُذُكُمْ مِنْ أَيْدِيهِمْ، وَيَنْتَشِلُكُمْ مِنَ الذُّلِّ الَّذِي يُحِلُّهُ بِكُمْ".
كذلك قول صاعد الربعي اللغوي (ت: 417 هـ = 1026 م) يخاطب أبا الحسن علي بن وداعة بن عبد الودود السلمي:
أَبَا حسن ربيعَة من سليم ... سِنَان زَان عالية الرماح
وَإِنِّي عَائِذ بك من هناة ... تحش دعائمي تَحت القداح
فكر على ابْن عمك وانتشله ... فَلَيْسَ حمى ابْن عمك بالمباح.

خلاصة القول إذن أن الانتشال بمعنى الإنقاذ، وإن كان لم يرد مخصوصا منصوصا في المعاجم العربية القديمة؛ إلا أنه ورد في المعاجم الحديثة، فضلا عن كونه شائعا ومستعملا منذ عهد الطبري إلى يومنا هذا، كما أنه لا يصطدم بالقواعد والأقيسة التي تواضع عليها علماء اللغة عبر القرون والحقب.

من صفحة المدون حامد ولد المزروف على الفيسبوك

  شارك المقال: