أمرتهمُ أمري بمنعرج اللوى

(من أعان على قتل نفسٍ مسلمةٍ و لو بشطر كلمةٍ جاء يوم القيامة مكتوباً بين عينيه آيسٌ من رحمة الله) هذا الحديث شائعٌ على ألسنة الناس يتذكّرونه قبل كل نصوص القرآن و السنة عند أحداث الاغتيال رغم أنه شديد الوهن إن لم يكن موضوعاً، و هي فائدةٌ أُهديها لكم معشر الأصدقاء في مستهلِّ هذه الدردشة على هامش سفرٍ مُتعبٍ مُسقمٍ، و الحمد لله على كل حالٍ و نعوذ بالله من حال أهل النار.
أما معنى هذا الحديث فتَضَافرُ النصوص عليه تأييداً و نُصرةً .
قال الله سبحانه و تعالى : ( و من يقتل مؤمناً متعمداً فجزاؤه جهنم خالداً فيها و غضب الله عليه و لعنه و أعدَّ له عذاباً عظيماً) و قال صلى الله عليه و سلم كما في صحيح البخاري من حديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما: ( لايزال المؤمنُ في فُسْحَةٍ من دينه ما لم يُصِبْ دماً حراماً) و في سنن أبي داود من حديث أبي الدرداء رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه و سلم قال: ( لايزال المؤمنُ مُعنقاً صالحاً ما لم يُصب دماً حراماً، فإذا أصاب دماً حراماً بَلَّحَ) و العَنَقُ ضَرْبـ ٌ من السير و معنى بلَّح عيِيَ عن السير إلى الله و انقطع منه الرجاء نسأل الله السلامة و العافية.
و مع كل ذلك يبقى القتل الخطأ أو شبه العمد دون العمد بكثيرٍ، و تبقى المصلحة العامة مقدَّمةً على المصلحة الخاصة، لاسيما في بلدٍ كبلدنا تُشَبُّ فيه نارُ الفتنة من يُديٍّ تستمطر تأميراً و هباتٍ من أعداء المجتمعات المسلمة، و يسير في ركابها طابورٌ ذو درجاتٍ متفاوتة من المتثاقفين ذوي النّيَّات و الطِّيَّات المختلفة.
نعم لقد أخطأ أفراد الشرطة غاية الخطإ في طريقة تعاملهم مع ولد الشين رحمه الله و تقبّله في الشهداء، و ما هو بأول خطإٍ لهم، و ما أكثر ما عرّضوا أمن المواطنين و سلامتهم للخطر بدل الحفاظ عليها و صون كرامتهم!
و نعم لقد أحسنت الحكومة صُنعًا في تعاملها مع هؤلاء، مع أن أخطاء الشرطة في الدول المتقدمة لن تزال يطالعنا بها الإعلام كل حينٍ ، و ما خبر مقتل المواطن الأمريكي جورج فلويد في مدينة مينابوليس التابعة لولاية ميشيغن الأمريكية منَّا ببعيدٍ.
أما ركوب الأمواج و اللعب بنار تمزيق المجتمع و الفتنة بين مكوناته فحرامٌ شرعًا، بل هو من أكبر الفواحش و الموبقات، و هو أخطر من قتل ولد الشين رحمه الله ألف مرَّةٍ!
و لا يُستغرب أن يمارسه - على خطورته- فتيةٌ فيسيُّون أغرارٌ لا يدركون عواقب الأمور؛ و لكن المستغرب أن تُصبِّحنا و تُمسِّينا تطبيقات أكبر وكالة أخبارٍ مستقلةٍ في البلد بكل دقيقٍ و جليلٍ -إن صِدْقًا و إن كَذِبًا- متعلقٍّ بهذه القضية، خصوصاً ما يتعلق بطريقة القتل و تفاصيل الأماكن المصابة من جسم المرحوم في سعيٍ واضحٍ إلى الإثارة و التأجيج و التأزيم!
آن لمجلس إدارة وكالة الأخبار المستقلة -و هم الذين عوَّدُونا على التداول الرَّاقي على المناصب و التشجيع على ذلك- إسنادُ أمرها إلى شخصيةٍ معتدلةٍ لا تحمل بين جوانحها نقمةً على بعض أطراف المجتمع، تسعى في إدارتها لنقل الخبر بدون إضافاتٍ و توابل و بكل موضوعيةٍ؛ و تبتعد عن مقاتل هذا المجتمع و نقاط ضعفه و خواصره الرِّخوة، و تجعل همَّها و شُغلَها الشاغلَ رُقيَّه و ازدهاره تحت راية الدِّين و أُخوَّة الإسلام الحقَّة، و حقوق و واجبات المواطنة؛ لا تعالج ظلماً بظلمٍ مثلِه أو أكبر منه، لها حظٌّ من الفقه و النظر في الأوليات و معرفة قواطع الدين و كلياته الكبرى، و لها إلمامٌ بقواعد التحول الاجتماعي و العمران الحضاري لتجعل من تعزيزها أهدافاً استراتيجةً عظمى لها؛ ليست ذات شعورٍ تفاعليٍّ سلبيٍّ خاصٍّ حيال حياتنا الاجتماعية على عِلّاتها الكثيرة التي نعترف أنه يصعب معها عدم التفاعل؛ بل شعور المُشفق الناصح الأمين و الطبيب المُداوي الذي يضع بلسمه على الجراح فيجد المريض لها بردًا يُكسب حُبّاً و تعلقا به.
إن الإعلام اليوم هو الموجِّه الأول للعقول و هو مُرهِف المشاعر اتجاه القضايا الإنسانية فيجب على من نال فيه ثقة الناس كحال وكالتنا المحترمة أن يحافظ على هذا المكسب العظيم و أن يكون على مستوى المسؤولية.
هذاو قد آن لنا أن لا تأخذنا في الله لومة لائم و أن نعلم و نعيَ جميعا أن أعظم ما يهدِّد بلدنا هو هذه الدعوات العنصرية المفرِّقة لمجتمعٍ مسلمٍ واحدٍ تجمعه كل عوامل الوحدة، و لا يعني هذا أن لا نسعى جادِّين بكل ما أوتينا حكومةً و شعباً في محو كل الفوارق و ردم الهُوى بين مكونات مجتمعنا الحبيب، و معالجة أخطاء الماضي فذلك مسعىً و هدفٌ لاينبغي لمن وُهب أدنى مسكةٍ من عقلٍ أن لا يناديَ به أحرى أُلي الرشد و النُّهى.
و فَّقنا الله جميعاً و هدانا سبل الرشاد و الألفة، و ألهمنا التعاون و الإخاء في الدين و الوطن
و رحم الله الإمام الناصح بدّاه بن البوصيري حين يقول:
"هذا رأيي و من أتاني برأيٍ خيرٍ منه قبلتُه"
و لله أبو ابن الشيخ سيديا فقد أحسن التعبير عن خلجات نفسي الآن حين قال قِدما مُختتما نِذارته لقادة مجتمعه:
و هذا ما أشرتُ به عليكم :: و لو لم تجعلوني مستشارا

  شارك المقال: