أرشح الغزواني فمن ترشحون ؟

ربما يأخذ البعض إنطباعا سلبيا ناتج عن إنفعال إتجاه العنوان الذي يحمل شحنة تقريرية قد لا تعجبهم، و لو قرأوا الشطر الثاني للعنوان بروية، لأدركوا أن الأمر أمر تأمل و تريث و إستقراء و تحاور و تشاور و تشارك في القناعات و الآراء و ليس مجرد كلمة عابرة نرمي بها في رصيف الأفكار دون أن نسلك بها مسارها الذي ينبغي أن تسلكه.

لقد تفحصت الساحة السياسية بتأني، و قرأت كل التوجهات، و رأيت الترشحات و الترشيحات الأخيرة، ثم بدأت أفكر في من أرشح؟ و هل الموقف موقف ترشيح أم حياد؟

و سرعان ما أدركت أن الحياد في مثل هذه الحالة يعتبر موقفا سلبيا، يجعل الشخص يغيب تأثيره رغم الحق الإنتخابي الذي منحه القانون، و الذي هو في أضعف حالاته يعتبر جهدا يبذله المرء من أجل المساهمة في تنمية بلده من خلال التعبير عن أفكاره و إختياره.

و لأن الجو الإنتخابي هو جو ديمقراطي يعبر فيه كل فرد عن رأيه بحرية تامة، أردت أن أعبر عن رأيي دون أن أنازع الآخرين في آرائهم، بل هي مشاركة في تدارس واقع بلد هو وطننا جميعا، موالاة و معارضة و محايدة.

و لأن النقاش لا يكون مجديا و مفيدا دون وجود طرح منطقي متناسق و منسجم، أردت أن أبدأ بالسؤال ما هي الأسباب التي جعلتني أرشح الرئيس الحالي في الانتخابات السابقة؟

و للجواب على هذا السؤال و لأن الكثيرين كانوا يشاركونني تلك الأسباب، لأنه كما هو معروف لُقب بمرشح التوافق بتوافق أغلب الناخبين الموريتانيين حينئذ، لذلك لا بد من إستحضار الصياغ و الحالة التي كانت عليها موريتانيا لحظة ترشيح فخامة الرئيس محمد ولد الغزواني.

إن مما اذكره و تتذكرونه جميعا الأمور التالية.

 إنسداد الأفق السياسي

لقد كانت موريتانيا لحظتها تعيش لحظة تاريخية تشكل منعطفا سياسيا خاصا، فقد كان الرئيس السابق محمد ولد العزيز على وشك إنهاء مأموريته الثانية و التي لا يحق له الترشح بعدها، و كان الأفق السياسي ينحصر بين إحتمالين، أحدهما أن يتم تغيير الدستور بما يسمح بترشيح الرئيس السابق، و الثاني أن يتم ترشيح مرشح مؤهل أن يكون بديلا للرئيس السابق، و كانت تداعيات الإحتمال الأول تضع موريتانيا على حافة إنحراف سياسي عميق قد يشكل أزمة سياسية خانقة لا نأمن الخروج منها بسلام.

أما الإحتمال الثاني، فهو ما أذكر أنه كان تحديا كبير شغل الساحة السياسية بكُتابها و نشطائها و روادها الرسميين و غير الرسميين، و كانوا فيه شبه متوافقين على ترشيح الرئيس الحالي فخامة رئيس الجمهورية محمد الغزواني.

كانت دواعي الترشيح واضحة، فالرجل رجل دولة بإمتياز، و تحتاجه موريتانيا عموما و في وقت الأزمات خصوصا، و خبرته بمفاصل الدولة و تدرجه في مناصب سيادية و محورية و شخصيته المتزنة، تجعله مؤهلا أكثر من غيره للترشح، بل كان ترشيح الرجل و ترشحه خلال المأمورية السابقة طوق نجاة

 البرنامج الإنتخابي

قدم الرئيس الحالي برنامجا إنتخابيا طموحا و مميزا يشمل كل الجوانب و يقدم رؤية غير تقليدية لتسيير البلاد، و يجعل أي ناخب يقرؤه ينجذب إليه و يأمل أن يكون واقعا مجسدا في القريب العاجل.

 رجل الأزمات و رجل دولة

تحتاج بلادنا إلى قائد قوي مطلع على مفاصل الدولة و يراكم تجارب كثيرة من الإشراف الأمني و الإداري و السياسي يمكنه من إدارة نقاط التوتر و الأزمات الطارئة، و كان محمد الغزواني رجل بالمواصفات التي تسمح له بإدارة بلد كموريتانيا بجدارة، فقد كان له دور أساسي و إجابي في كل التحولات السياسية التي مر بها البلد منذ عقود، و في حلحلة الأزمات الحرجة بإمتياز و تمكن.

و بالمرور بتلك الأسباب نجد أن الواقع يخبرنا بأنها أسباب واضحة و جلية، كما أن الميدان يجيب عليها.

فقد كان تولي رئيس الجمهورية للحكم خروج من مرحلة إلى أخرى، من مرحلة التوتر و التنابذ و التخالف و التباعد إلى مرحلة الإستقرار و التفاهم و التوافق و التقارب، و الذي لم يجد منقصا، لولا أزمة المرجعية التي أثارها الرئيس السابق محمد ولد عبد العزيز بعد عودته المبكرة للساحة السياسية، و التي كانت إحدى الأسباب الوجيهة لصرف النظر أحيانا عن المحور التنموي في برنامج الرئيس الحالي الطموح.

فقد أدى إنشغال النظام بأزمة المرجعية التي تهدد الإستقرار إلى تراجع الأداء و لفت الإنتباه عن البرنامج الإنتخابي لرئيس الجمهورية في عامه الأول و الثاني.

و في العام الثاني أيضا بدأت أزمة كورونا التي عصفت بإقتصادات بلدان دول كبرى، و كانت مقاربة الرئيس في التعامل معها محل إشادة دولية، و رغم أزمة كورنا و رغم تأثيرات حرب أوكرانيا. و رغم أزمة المرجعية و مخلفاتها التي تستمر حتى الآن، إلا أن السيد الرئيس بقي متمسكا ببرنامجه متشبثا بتطلعاته الكبرى، و كان من أبرزها برنامج تآزر الذي كان له الدور الكبير في مؤازرة مئات الآلاف من الأسر الموريتانية، و في مواكبة تطلعات الكثير من القرى و البلديات الريفية و الحضرية من خلال بناء بنى تحتية للمياه و الكهرباء و التعليم و التأمين الصحي.

و رغم أن نتائج تآزر كانت ذات إمتداد أفقي في أغلبها، من خلال توزيعات غذائية و نقدية بقيمة مئات المليارات من الأوقية، إلا أن المتتبع لآثارها الإيجابية، لا يستطيع إلا أن يقف وقفة تقدير و إحترام لذلك العمل الميداني الذي جعل المواطن المحتاج يلامس و لأول مرة المعونة النقدية و المادية و المعنوية بشكل مباشر، فليس لمن يرى مواطن عادي في أمس الحاجة يستفيد من التأمين الصحي و يستلم مبلغا نقديا و توزع عليه سلال غذائية معتبرة بشكل دوري، ليس له إلا أن يقف مقدرا و شاكرا لهذه اللفتة الكريمة التي تلامس واقعا مريرا و تخفف من معانات المواطنين بشكل مباشر و لو لفترة محدودة.

و من جانب آخر و رجوعا لتلك الأسباب التي جعلتني أرشح الرئيس الحالي، إدارته لمختلف الأزمات التي مرت بها موريتانيا خلال المأمورية التي أوشكت على الإنتهاء، إدارة متأنية و فعالة، و بحكمة و واقعية، تم خلالها الخروج من مختلف الأزمات بهدوء و إنسيابية، دون أن تخلف أضرارا ذات تأثير معتبر، و لا أحتاج هنا لذكر أمثلة، و يكفي أن استشهد بآخر ما تم في إطار أزمتنا مع الجارة مالي، و التي كان حضور وزير الدفاع و الداخلية لمعاينة المنطقة الحدودية، و إستعدادات الجيش و إحتواء الشائعات و التريث في القرار و إتخاذ خطوات أمنية جانبية تعزز المشهد أهم معالمها.

و أريد أن أقول بهذا الصدد أن تفاصيل كثيرة تحتاج تغييرا، تظل محل نظر لكل من يريد مصلحة الوطن و الرقي بالشعب و الدولة، منها مشكل الأسعار و زيادة الرواتب و محاربة البطالة، و غيرها، حيث ظلت و ستظل محل نقاش و أخذ و عطاء لكل نظام، و محل إهتمام للجهات الحكومية، تخطو فيها خطوات، و تضع لها مقاربات تتناسب مع حالة البلد و مقدراته و توازناته، و هي تتأثر بشكل مباشر، بمحاربة الفساد و التي نود أن نقف معها وقفة اخيرة.

إن نقطة محاربة الفساد، تشكل تحدييا كبير للبلد، و قد ظلت شعارا و عنوانا لكل من يحكم هذا البلد رغم أنها ما تزال تزداد تحديا.

و لقد وضعها الرئيس الحالي في أولويات برنامجه، و لعل المتأمل في رسالة ترشح الرئيس الحالي للمؤمورية الثانية يدرك أن هذه النقطة حاضرة بقوة، و كأنه يقول لنا أنها لم تجد حظها الأنسب في الفترة الماضية.

نعم لقد جعلت أزمة المرجعية الرئيس الحالي مرهونا بتحديات أمنية و سياسية لربما شغلته عن تقديم خطوة فعالة بشكل أنسب في موضوع الفساد، فجاء تعيين الحكومات المتتالية بإكراهات ميدانية تناسب اللحظة لكنها لا تناسب البرنامج الإنتخابي المتألق الذي يسعى إليه الرئيس.

و من هنا نجد ان تحدي محاربة الفساد لم يحظ بنصيبه الأنسب في المأمورية الاولى، و هو تحدي لا تكفيه مأموريتان أحرى مأمورية واحدة، بل يحتاج لتراكم من الإصلاحات التمهيدية و يتطلب عقدين إن لم أقل أكثر.

إذن من منظور قناعتي بأن الرجل لا يزال يحتفظ بمواصفاته الريادية التي تؤهله لقيادة البلد و العبور به للأمام نحو مرحلة تمهد لتنمية و رقي افضل، أستطيع القول و بكل ارحية أن محمد ولد محمد ولد الغزواني يستحق مأمورية ثانية لمواصلة الدرب و إكمال برنامجه الإنتخابي بعد أن استطاع ان يجمع حوله الطيف السياسي بمختلف توجهاته، و أن يجعل قامات علمية و سياسية كبيرة كجميل منصور و محمد غلام و صالح ولد حنن و محمد محمود ولد لمات و القائمة تطول، و حتى المعارضة الرادبكالية تجد نفسها في جو جديد من التعاطي الإيجابي في ظل نظامه بشهادة رؤسائها، و لن ننسى تصريح بيرام الداه ولد اعبيد في أقصى اليسار بأنه وجد ضالته في نظام ولد الغزواني و صاحبه الذي كان يبحث عنه، ثم نكص عن قوله بعد ذلك بفترة لأسباب تخصه.

مرة أخرى أقول بأني ارشح محمد ولد الغزواني فمن ترشحون؟

و لا أريد الجواب من متعصب لرأيه لا يحترم الرأي الآخر، و لا من أصحاب الأحكام المسبقة الذين يصنفون الآخرين بناء على رغباتهم دون أن يمنحوهم الحق في الحوار.

و إنما اريد جواب منصف يقرأ الواقع و يؤمن بالوطن و يتبنى مقاربة تنطلق من قناعة واضحة و معطيات محددة و لعل رأيي و رأيه و رأي الآخرين يفيد المجتمع و الوطن و يضيف فكرة و تقديرا يجعلنا نتنافس و نتحاور بشكل أفضل من أجل مصلحة الوطن و إضافة ما هو أحسن لمستقبله.

  شارك المقال: