الصين تعزز حضورها في مالي

منذ انسحاب فرنسا من مالي، على إثر تدهور العلاقات بين المجلس العسكري الانتقالي الحاكم في باماكو، وساكن قصر الإيليزيه، لا تخفي الصين اهتمامها بهذا البلد غير الساحلي، الذي يعاني اضطرابا أمنيا منذ أزيد من عقد.

وإذا كانت آخر المؤشرات على هذا الاهتمام، تمثلت في تسلم باماكو نهاية ابريل الماضي العديد من المعدات العسكرية من الصين، تضم مركبات مدرعة وتكتيكية، وأسلحة فردية وجماعية، فإن الطرفين وقعا بعد فترة قصيرة على الخروج الفرنسي لا تكاد تتجاوز الأسبوع، على مذكرة تفاهم في مجال النسيج، تناهز قيمتهما المالية 200 مليون دولار، وتوفر 5 آلاف فرصة عمل.

كما احتضنت باماكو شهر اكتوبر الماضي أعمال النسخة الأولى للمنتدى الاقتصادي الصيني المالي، تزامنا مع مرور 62 عاما على العلاقات الدبلوماسية بين البلدين.
ولا شك أن الصين كان لها اهتمام بمالي على غرار باقي دول المنطقة، ضمن إطار سعيها لترسيخ نفوذها في مختلف أرجاء القارة، فخلال فترة أوج سيطرة الجماعات المسلحة على أجزاء واسعة من الشمال المالي بين عامي 2012-2013، سلمت بكين لباماكو معدات عسكرية ولوجستية، تقدر قيمتها المالية ب5 ملايين أورو.

ولكن الوجود العسكري الفرنسي بمالي شكل عائقا أمام تنامي النفوذ الصينى، أو أي من المتنافسين الدوليين الآخرين على المنطقة.

ومع ذلك، فقد وقعت مالي والصين 34 اتفاقية في يونيو 2014 بلغت قيمتها المالية 11 مليار دولار، من أجل إقامة مشاريع، أبرزها مشروعان للسكك الحديدية يربطان الدولة الحبيسة بالساحل.

ولكن الجماعات المسلحة لم تمنح الطرفين فرصة لإقامة هذه المشاريع، حيث قتلت 3 مديرين تنفيذيين في شركة صينية للسكك الحديدية، في هجوم خلال 2014، استهدف فندقا بباماكو، وتسبب في مقتل 20 شخصا، وقد تبنته جماعة “المرابطون”، وكان ذلك سببا في تجميد هذه المشاريع الاستراتيجية.

والآن وفي ظل وجود روسيا الحليفة للصين، فإن بكين اعتبرت الفرصة مواتية لتعزيز حضورها في مالي، فبالإضافة للاستثمار في القطن، الذي يشكل أحد أبرز الصادرات الرئيسية لباماكو، بدأت البلاد كذلك الاستثمار في مشاريع أخرى، بعضها يرتبط بالمناجم كالليثيوم مثلا.

كما تعمل بعض الشركات الصينية في استخراج الذهب بمالي، والذي تمثل صادراته المصدر الثاني للدخل في البلاد بعد القطن.

وللصين كذلك حضور في الكثير من مشاريع البنية التحتية كالطرق والمطارات، وبعض المنشآت الصحية والثقافية والرياضية، وهذا يعتبر في الأصل المدخل الرئيسي للنفوذ الصيني بإفريقيا.

فكثيرا ما كانت البلاد تهتم فقط بالمشاريع التنموية، ولا تولي اهتماما للجانب العسكري، رغم أن لها قاعدة عسكرية في جيبوتي، كما كانت تلزم الصمت إزاء حقوق الإنسان، والحرية، والديمقراطية، وهي قضايا لا تعتبر الصين مثالا فيها، بل إن وضع بعض بلدان إفريقيا قد يكون أحسن منها.

وبالابتعاد عن هذه القضايا الحساسة، اختلفت مقاربة الصين تجاه إفريقيا عن الغرب ممثلا في الولايات المتحدة الأمريكية والدول الأوروبية، إذ كثيرا ما تربط هذه الأطراف الدعم والاستثمار الخارجي، بمدى احترام هذه الجوانب.

وهذا البعد يشكل الآن عنوانا عريضا للتوتر في العلاقات بين بعض دول الساحل التي تعتبره تدخلا في شؤونها الداخلية، وبعض البلدان الغربية، التي تعتبر التركيز عليه في صميم مبادئها وسياساتها، ولا يمكنها التغاضي عنه.

وقد حصلت نماذج من ذلك في بوركينافاسو، التي طردت نهاية 2022، المنسقة المقيمة لمنظمة الأمم المتحدة بواغادوغو الإيطالية باربرا مانزي، ومؤخرا أيضا تبادلت تشاد وألمانيا طرد السفراء، وفيما اعتبرت برلين خطوتها ردا بالمثل، بررت نجامينا الطرد بالتدخل في شؤونها الداخلية.

ويشكل ابتعاد الصين عن الاهتمام بهذه القضايا نقطة تحسب لها في نظر الكثير من القادة الأفارقة، ولكن نقطة الديون وإغراق إفريقيا بها، بات يدفع عددا من الدول إلى البحث عن شركاء جدد غير بكين، ما قد يؤثر مستقبلا على تربعها على عرش المستثمرين في القارة.

  شارك المقال: