الجزء الثالث من حكاية اغنية درسك ياغلانه :

بعد ان اتفقنا سويا انا والبيضاوي على الذهاب عصرا الى بيت اهل آب كي اسمع ديمي الاغنية الجديدة – انطلقنا في سيارة اجرة لاننا لا نريد ان يكون كثر معنا في هكذا موقف – واستمعت ديمي رحمها الله الى الاغنية واعجبت بها ايما اعجاب ولشدة اعجابها طلبت مني ان نخرج سويا لاحفظها اللحن بعيدا عن ضجة الزوار والضيوف في بيت اهلها – كان البيضاوي قد غادرنا بعد ان تناول ضيافته من الشراب – رحمه الله كم كان انسانا حساسا مفعما بالذوق واللطف فقد ادى مهمته التي لن انسى فضله علي وعلى جمهوري ايضا وعلى موريتانيا فقد كان هو وراء كل شيء: العود هو دبر احضاره من سيمالي – اسر الفنانين هو الذي عرفني عليهم – ديمي هو الذي عرفني عليها – الاسرة التي سهرنا في بيتهم في الاكصر واخذت كلمات الاغنية منها هو الذي اخذني اليهم – الاذاعة هو الذي عرفني بهم وعرفهم بي – لقد ادعى ان عنده عمل وغادرنا ليتركنا في امور الفن والتحفيظ بين مطرب وملحن – كانت ديمي قد اشترت سيارتها ال (رينو خمسة ) مجددا وكان الجلد النايلون مازال على المقاعد – خرجنا بالسيارة الى شاطئ البحر – كررت لها الاغنية مرات تعد على الاصابع – لم نصل الى شاطئ المحيط بل الى الطريق العرضاني الذي يربط بين المرفأ والفنادق – وقبل ان نقفل راجعين كانت قد حفظت اللحن كما احفظه انا – لقد تعاملت مع الكثير من المطربين والمطربات في موريتانيا وفي سورية ولبنان لكنني لم اجد اذنا تحفظ بسرعة مماثلة وبدقة متناهية مثلها – وحنجرة تضيف دقائق جمالية لا يستطيع اكثر المغنين فعلها – ولو استعرضنا مطربي الوطن العربي الكبار لوجدنا ان من يستطيع ان يضيف للحن دون ان يخرج عنه يعدون على الاصابع – لقد كانت خسارة كبيرة لمورتانيا والفن الموريتاني انها لم تستغل امكاناتها لتاخذ مكانها الحقيقي لتكون من اوائل المطربات في الوطن العربي فليس صوتها باقل من وردة ولا صباح ولا شادية ولا اصالة نصري ولا ميادة حناوي - من حيث الجمال والقوة وتميز اللون وسرعة الحفظ والتفنن في الاداء- اقولها للتاريخ – لا اظن ان ديمي المعجزة ستتكرر – كثيرات يحاولن تقليدها – كما قلدت عشرات المطربات ام كلثوم لكن دون جدوى فالطريق طويلة اليها – وكذلك ديمي – ارجو من الله ان يعوض موريتانيا بدلا منها – لكن ذلك باعتقادي ضرب من المستحيل –
اعود الى الرينو خمسة التي كانت اول من سمعت ولادة الاغنية بصوتينا معا – كنت ضيفا على اصدقاء عندهم صالون في كابيتال عرفني عليهم البيضاوي رحمه الله ايضا - فطلبت من ديمي ان توصلني لعندهم مع عودي – ودعوتها ان تدخل معي لنسمع رواد هذا الصالون الاغنية ونرى رايهم فيها وكانوا من نخبة رجالات نواكشوط في السياسة ورجال الاعمال والجيش – لقد كنت واياها واثقين سلفا بان كل من سيسمعها سيعشقها – وهذا ما كان فعلا ! فلقد اعادوا الطلب ان نعيد غناءها مرات عديدة – واقترحوا علينا ان نذهب بالغد الى الاذاعة لتسجيلها – وهذا ما اتفقنا عليه انا وديمي ان نلتقي غدا عندي في الفندق ونحمل العود ونذهب الى الاذاعة بعد ان اعطاني الاستاذ الحسن ولد مولاي علي مدير البرامج العربية انئذ الضوء الاخضر باني استطيع ان آتي الى الاذاعة في أي وقت واسجل – وهذا ماحصل فعلا حيث جئنا الاذاعة في اليوم التالي وسجلنا الاغنية بمرافقة العود فقط والمرحومة ديمي تضبط الايقاع على علبة شريط اذاعي معدنية – واذاعها احد الاخوة في برنامج ادبي عن الشعر وما الى ذلك وكان يفصلنا عن يوم الاحد فترة قصيرة – وما ان جاء يوم الاحد حيث كان يوم عطلة وقتها - حتى كانت قد طلبت من قبل عشرات المستمعين وقد اخذت الاسماء حيزا كبيرا من البرنامج - وحيث كان طالب الاغنية يحق له ان يهديها الى خمسة اشخاص ان اراد- والاكثر كانوا يفعلون ذلك – وما يجب معرفته ان الشخص كان يدفع عشرات الاوقيات مقابل ذلك – وكان البرنامج يقوم بعدة مهام فهو بالاضافة الى الناحية الفنية الطربية – كان وسيلة اتصال بين ابناء وطن مترامي الاطراف ما شاء الله لم تكن وسائل الاتصال التي نراها اليوم معروفة – ولم تكن السيارات كثيرة – ولا الطرق معبدة وسهلة كما هي الآن - فبواسطته يطمئن الناس عن بعضهم - وبه يحدثون عن اخبارهم وعما سيقومون به من سفر او........الخ – اذاً انطلقت الاغنية بشكل لم تعرفه اية اغنية اخرى – وساتحدث في الجزء القادم عن الاغنية موسيقيا ومغنى ومنعكسات - والى ذلكم الوقت اذا شاء الله استودعكم الله

  شارك المقال: