حكاية اغنية درسك ياغلانه أداء ديمي وفريد حسن

بادئ ذي بدء قد اكرر بعض ماورد في بعض القصاصات الاولى او غيرها مضطرا وليس راغبا في ذلك – لان الكثيرين لم يكونوا معنا في القصاصات الاولى واعتذر ممن سيرى تكرارا لكن وعلى كل حال فلا بد ان تجدوا جديدا في الموضوع – كما ان الكثيرين والى اليوم يسالوني او يعلقون على الاغنية بافكار تدل على عدم قراءتهم للقصاصات جميعها :

بعد وصولي الى نواكشوط بأيام عددها اقل من اصابع اليد الواحدة – تعرفت على شخص اسمه الراضي البيضاوي – كان موظفا في الخارجية الموريتانية – تعرفت عليه في فندق النواب حيث كنت اقيم مع زملائي المدرسين السوريين وكنا نحن اول دفعة مدرسين سوريين تاتي الى موريتانيا للعام الدراسي 1976- 1977م ووصلت انا متاخرا حيث كان وصولي في 23 آذار مع زميل سوري فلسطيني يدعى محمد الخطيب -حيث ترافقنا من باص المطار بجانب البريد في ساحة الحجاز في دمشق والى مطار دمشق ومنها الى مطارات بيروت ومصر وليبيا وتونس والجزائر ثم المغرب حيث نمنا ليلتين فيها ثم انتقلنا الى نواكشوط حيث استقبلنا اعضاء السفارة والملحق الثقافي الذي سود موريتانيا في اعيننا في الليلة الاولى من وصولنا عندما اخذونا الى فندق النواب ( الدبيتي) وحيث تعرفت الى البيضاوي الذي حدثنا عن موريتانيا وعاداتها وطباع شعبها واعجبني كلامه كثيرا وقلت له أريد ان اتعرف على هذا الشعب فقال : بشرط ان لا تتافف من أي شيء فوافقت وجربني في بيت في الاكصر وقد وجدت ان التجربة ليست مغايرة لتجربة لي سبقت في الجزيرة السورية عندما كنت معلما في بادية الرقة :عادات الطعام والشراب والجلوس وتعامل الشباب والاختلاط والخيام وتربية الحيوان والرعي والقربة( جلد الجدي الذي يوضع فيه الماء او السمن ) واللبن و.......الخ - ونجحت في التجربة – مما رشحني الى اصطحابي الى بيوت العديد من الفنانين ؟ اسرتي اهل النانا مودرن – والنانا تقليدي – ثم البكاي ولد عوا – ثم اهل اب – وسيمالي ولد مهمد فال الذي اعارني عوده الى ان احضر عودي من سورية عندما قلت للبيضاوي انني كنت ملحنا في اذاعة حلب ولم اتجرا من احضار عودي لانهم قالوا لي ان موريتانيا اسلامية وقد يكسرون لك العود او يصادرونه - رحم الله البيضاوي وسيمالي وديمي ووالدتها وسيد احمد البكاي ولد عوا ورحم من توفى من الذين زرتهم واطال الله في اعمار من مازالوا على قيد الحياة منهم - واخذت العود معي الى بيت اهل اب واسمعت ديمي اغاني والحاني – واقترح الراضي البيضاوي علي وعلى ديمي ان نشكل فرقة اسمها فرقة الرشيد للغناء والنشيد بقيادة ديمي والاستاذ فريد ووافقناه على ذلك – واقمنا اول حفلة لنا في فندق شنقيط كانت الفكرة فكرة البيضاوي تخطيطا وتنفيذا واشرافا حيث طبع بطاقات عنده في الوزارة واتصل بالعشرات من معارفه والمسؤولين يدعوهم الى حفلة فنية مجانية في فندق شنقيط واتفق مع صاحب الفندق ان يسمح لنا باقامة الحفلة حيث تكون له فائدتان الاولى مادية حيث يبيع المشروبات والطعام لمن يريد والثانية تكون دعاية للفندق أي مكسب معنوي - اما نحن فلم افكر انا الا بالترفيه عن نفسي والتعرف الى شريحة هامة وواسعة من الشعب الموريتاني – وكان وقت الحفلة عصرا – كانت فرقة الرشيد تضم عدا ديمي وفريد غناء - والبيضاوي اشرافا - المهندس الفرنسي فيليب سائقا للفرقة - والمختار ولد بوبكر من بوتلميذ عضوا متمما - طبعا القضية كانت للجميع تسلية ومزاحا وطربا وفرحا ليس الا – وفي دحميس ذلك اليوم وبعد انتهاء الحفلة الناجحة التي خرج الناس سعيدين مسرورين من غناء ديمي بمرافقة عودي وغنائي لاغاني الخاصة واغاني فريد الاطرش وبعض الاغاني الحلبية والسورية والمصرية بمشاركة ديمي او لوحدي – طرح البيضاوي على اعضاء الفرقة ان نسهر الليلة في بيت لاصدقائه في الاكصر فوافقنا الا ديمي التي اعتذرت عن الحضور معنا – وفي المساء جاء فيليب بسيارته الجيب الصفراء المكشوفة واخذنا العود وذهبنا كل اعضاء الفرقة عدا المرحومة ديمي – وسهرنا في ذلك البيت وعزفت وغنيت وعرفهم البيضاوي علي باني ملحن في اذاعة حلب وكانت تجلس الى جانبي فتاة قالت لي انها موظفة في البنك اذكر ان اسمها كان ( ماما ) وقد حفظت الاسم لانه غريب في بلادنا حيث يطلق الولد هذا الاسم على امه فقط -
اقترحت علي ان الحن اغاني بكلمات موريتانية فقلت لها ان لا مانع عندي ان وجدت الكلمات المناسبة – وفي نفس الوقت طلبت هي ورقة وقلما وكتبت لي اغنيتين الاولى ( ما ننسى وانت ماتنساي ذوك الايام الجميلة ) والثانية كتبتبها لي وما زالت الاغنيتان بخط يدها موجودتان عندي في مصنف الاغاني التي لحنت ويقترب عددها من التسعين والاغاني التي هي قيد التلحين والمؤجلة الى اليوم وعددها اكبر -
وكتبت لي الاغنية بخط يدها : درسك ياغلانة - يللي تلهينا - فيه الطازانا- وفيه التكرينا – نبغ ظرك اتاي - زين على فشاي - ويجينا الكراي -هون يكرينا – نفيسة ختنا -هي ال تلهينا - مرة تضحكنا -ومرة تبكينا - نيثي عاداتك - ذيك مجينينا - ضو عويناتك- بيه خليتينا .

اقول هكذا كتبت لي وانا لم يكن لي في موريتانيا وقتها اكثر من اسبوعين وثلث الكلمات غريب على مسامعي فلحنتها وغنيتها هكذا وقد قيل لي في حينه ان الاغنية قائلها شاعر اسمه اعل ولد انبيط ثم اضاف كل من غناها شيئا او غيره – وانها بالاساس كرسك ياغلانه بفتح السين – فقلت في نفسي لو غيرت درسك الى كرسك – فماذا سيكون مصير الكراي – ومصير نفيسة التي تضحك مرة وتبكي اخرى – واين ستذهب ضو عويناتك الذي بيه اخليتينا فهل يعقل ان يكون كل هذا الكلام موجها لرجل – اذا: هذا ما جعلني لا اغير طريقة لفظي – وانا من عادتي قبل ان الحن أي اغنية ويعرف عني عشرات الشعراء والكتاب في موريتانيا انني اتعلم لفظ الكلمات اولا واسال عن المعاني ان كانت غائبة عني ثم الحن – وفي التلحين اعط الكلمة حقها من حيث توافق معناها مع النغمة ( فالكلمة المرحة اعطيها لحنا مفرحا بعكس الحزينة اعطيها لحنا حزينا والقوية والحربية اعطيها لحنا حربيا وهكذا للكثير من المعاني للكلمات التي يجب ان يكون توافق تام بين معناها ومغناها أي نغمها – وهذا مايفعلة ملحنوا السيمفونيات او الاوبرا وما كان يفعله اساتذتي عمالقة الزمن الجميل عبد الوهاب وفريد الاطرش والسنباطي وزكريا احمد والرحبانيين و.......الخ – لذلك لم يكن من السهل التراجع عن هذا الحرف لانه سيغير المعاني ولا استطيع ان افعل كما يفعل بعض الملحنين الذين يؤلفون اللحن ثم يطبقونه على الكلام فيصبح كالذي استعار ثيابا فلبسها ليصبح اضحوكة لمن ينظر الى شكله
لقد اقتربت الساعة من الثانية ليلا اشعر بالتعب قليلا – فالاغنية جميلة جدا باعتراف كل من سمعها في أي بلد عربي وحتى اجنبي وتستحق التوقف عندها من اين اتت وكيف تم تلحينها وكيف سجلت اول مرة ثم ماطرا عليها – لا اعرف ان كانت قصاصة ثانية او ثالثة ستكفيها تصبحون على خير والى جزء آخر من حكاية اغنية درسك ياغلانة ان شاء الله - استودعكم الله

دمتم للفنان فريد حسن

  شارك المقال: