المغربي سعيد الوزان يسب موريتانيا

على المرء أن يحمد الله ويبوس راحة يده وظاهرها ألف مرة شكرا لله على نعمة كونه ليس مواطنا موريتانيا .. !
ففي هذه الأيام الرتيبة ،الحزينة، والفاترة ، لا يمكن لكاتب ما إلا أن يتحسس عنقه قبل أن يحمل قلمه ويهم بكتابة حرف واحد، خشية أن يلتف حوله حبل الشنق الذي سيأخذ روحه ويسكته إلى الأبد ..
وهذا تحديدا ما وقع لشاب موريتاني، زاغ عن الجادة المرسومة له ولأمثاله من الكتبة بقلم رصاص يكاد لا يرى، فقام بتسطير مقال كان كافيا لإدانته بالإعدام بتهمة الزندقة والخروج عن ملة الإسلام.
رباه .. كيف للفكر أن يتحرر من سطوة الموانع والمحاذير الكثيرة التي تحف به من كل جانب، تطل برأسها كألغام ناسفة بلا قلب أو رحمة، فتفجر كل رجل مترنحة سهت للحظة ما قبل أن تدوس عليه ..
رباه .. كيف للكاتب، أي كاتب، أن يحمل يراعه بين أصابعه ويترك له حرية القول وحرية الكلام، في مجتمعات مغلقة الأفئدة موصدة الحجى ،دون أن يخشى الوقوع بيد الرقباء الذين يحصون أنفاسه ولهاثه المكتوم؟
رباه .. كيف لنا أن نحلم باليوم الموعود الذي تكسر فيه القضبان وتتحرر الأفكار من سجنها الصدئ الذي يخنقها فلا تطير سابحة في أرضك المباركة هذه، حتى تصبح فردوسا حرا ينعم فيه الإنسان ..
لن أناقش القضاء لا في موريتانيا ولا في غيرها من بلدان الله .. فللقضاء أهله وذووه، بل سأناقش المبدأ .. مبدأ سيف المنع والقمع المسلط على العقول والأرواح، في بلدان الوهم والخراب التي لا تريد أن تتزحزح عن معتقداتها البالية التي كانت سببا في خرابها ..
هل يمكن الحديث اليوم، في زمن تتعالى فيه الأصوات المبحوحة منادية بإلغاء عقوبة الإعدام ، بما هي عقوبة لا إنسانية تفتقد الرحمة فما بالك بالعدل، عن وضع حد لحياة فرد ما .. فقط لأنه كتب ..
هل الكتابة، وهي الحمالة للأوجه ، خطيرة لهذا الحد، لحد أن ترسل صاحبها، إلى المقبرة .. دون ذنب اقترف أو جريرة .. ؟
نعم ، يمكنها أن تفعل ذلك وأكثر .. ومن لم يصدق .. فعليه أن يولي وجهه صوب موريتانيا .. بلد المليون شاعر .. الذين أخرسوا جميعا حتى لم يبق هناك صوت .. ولا صخب .. ولا حتى نأمة .. !

الشاب اسمه ولد امخيطير .. تحكي الوقائع السيارة في موريتانيا الشقيقة أنه نجل حاكم مقاطعة نواذيبو .. حيث جرت وقائع متابعته ومحاكمته الغريبة الفريدة ، التي لا تحدث حتى مع "أليس " في بلاد العجائب ..

حكم عليه بالردة قبل أن يحال على القضاء من خلال فتوى شاردة كلفته هجر زوجته له .. وأهاجت عليه أبناء وبنات وطنه، فدفع دفعا إلى المحكمة التي قضت بإعدامه شنقا رغم أنه لم يكف طيلة هذا المسلسل التراجيدي الحزين عن ترديد لازمة "توبته" .. ولكن كل ذلك لم يشفع له ولم يفده في شيء ..حتى إن هيئات وجمعيات نصبت نفسها طرفا مدنيا في القضية ، وجاءت بجيش من المحامين الذين دفعوا في مرافعاتهم إلى الوجوب الشرعي لمسألة قتل المرتد.. كيف لا وقد تطاول على رسول الله عليه أزكى الصلاة والسلام ..
حكم صدر .. الإعدام ولا شيء غير الإعدام .. مع ترك فسحة أمل ضئيلة لم تعجب الغاضبين ،وهي استئناف الحكم حتى تتأكد النيابة العامة من توبته.. وهنا .. لعمري لست أدري كيف تتأكد جهة ما من توبة فرد ما وتطلع على سريرته وتكشف طويته .. !

الأنكى من ذلك والأمر، هو أن الحكم بالإعدام على ولد امخيطير قوبل بترحاب كبير في جل الأوساط الرسمية والشعبية ، واحتفت به وسائل الإعلام العمومي ، حتى إن الجمهور الحاضر الذي تابع أطوار المحاكمة عيانا ظل يقاطع دفاع الطرف المدني " المغرق " بالهتاف والتصفيق، وهو ما دفع القاضي رئيس الجلسة إلى طلب الهدوء منهم مخاطبا إياهم : أتركوا التصفيق .. هذه قاعة محكمة وليست عرسا .. !

وفعلا .. هو ليس عرسا بل مأثم .. !

ولكن ، هل فعلا يتعلق أمر محاكمة ولد امخيطير بتهمة المساس بالدين الإسلامي الحنيف حقا وبنبينا الكريم ، يبدو أن الحقيقة غير ذلك .. لأن متتبعا عن بعد ، جاهلا بطبيعة المجتمع الموريتاني وتفاصيله الدقيقة ، لا شك سيجد الأمر مريبا وفيه شيئ من حتى .. فعكس ما هو معلن .. يبدو أن محاكمة الرجل ليست سوى تلك الشجرة العظيمة التي تخفي الغابة .. كيف لا .. وهو في مقاله المعلوم قد انتقد التناقضات الاجتماعية القائمة في بلده .. ملامسا الجرح في الصميم حتى نفر الدم .. ود لذلك تجده ققوبل بكل هذا اللغط ووجه بكل هذا الحقد .. الأعمى .. الأصم .. الذي قاده من حيث يدري أو لا يدري ربما .. إلى حبل المشنقة ..

هي قصة حزينة .. فصولها درامية بامتياز ولم تدر حتى في خلد شكسبير وتراجيدياته العظيمة .. ولكن حذار .. فليست كلها كذلك .. لأن الجزء السار في الحكاية .. هو أن النيابة العامة بعد أن تتأكد فعلا من توبة ولد امخيطير التي يجب أن تكون نصوحا لله تعالى .. سيحكم عليه بالسجن لمدة سنتين شمسيتين كاملتين فقط حسب القانون الموريتاني .. وبعدها سيطلق سراحه.. أما السنتين .. فقد قضاهما فعلا داخل السجن .. لأن قضيته بدأت فصولها سنة 2014 حين كتب ما كتب على حائطه في الفايسبوك ..!

فاللعنة إذن على الفايسبوك وعلى صاحبه .. ولله العزة من قبل ومن بعد

  شارك المقال: