تعديل المادة: 306.. إنتصار لحق الجناب النبوي أم تشجيعا للتمادي على الجرم؟!!

ملاحظة حول مشروع القانون الذي تقدم به رئيس الجمهورية بشأن المادة: 306 من القانون الجنائي الموريتاني .
في النص الجديد للمادة: 306 من القانون الجنائي الموريتاني المُعدلة، بموجب مشروع القانون الذي يُلغي ويحل محل أحكام المادة المذكورة من الأمر القانوني رقم: 83/162 الصادر بتاريخ: 09 يوليو 1983، المتضمن القانون الجنائي الموريتاني؛ غابت لغة القانون في فقراتها الأخيرة وإن كان يشفع لها تأدبها في حق الجناب النبوي. - صلى الله عليه وسلم-
ولذلك جاءت أدبية في النص وبعيدة عن لغة القانون، ويحسب لها الانتصار للحق وتشديد العقوبة في حق من يسيء للمصطفى الحبيب، صلى الله عليه وسلم أو للذات الإلهية.
ولكن يبقى أن النص لم يأتي بجديد إن تم استثناء تغليظ العقوبة السالف الذكر، بل إن المادة تركت لغزاً آخر في الفقرة الأولى منها ويعلمه من هم ضليعون في تفسير النصوص القانونية، فقد ورد في الفقرة الأولى من المادة: 306 (جديدة) أن: [أن كل من ارتكب فعلا مخلاً بالحياء والقيم الإسلامية أو انتهك حرمة من حرمات الله أو ساعد على ذلك...... يعاقب تعزيرا من 3 أشهر إلى سنتين وبغرامة من 50.000 أوقية إلى ست مائة ألف أوقية]. وهذه العقوبة في حد ذاتها لا تتناسب مع جريمة أخلاقية تسيء لقيم المجتمع الموريتاني وتؤثر على سلوكه العام، فوقع مشاهدة فيلم إباحي وتصويره ونشره لفتاة لم تبلغ بعد سن الرشد القانونية (18 سنة) بحسب القانون الموريتاني في بلد عرف بالإسلام، أو الفيديو الذي يُظهر فتاة موريتانية عارية بالكامل، وهي تخاطب صديقها وتصور نفسها من داخل المرحاض، لا يتناسب إطلاقاً وحجم العقوبة المقررة والتي قد تقف عند حدِ التغريم بخمسين ألف أوقية، أو الحبس لمدة ثلاثة أشهر حسب سلطة القاضي وتكييفه للفعل المجرم... ليتمادى أبناء هذا المجتمع المسلم على فعل كهذا ولتنتشر الرذيلة في أوساط المجتمع بالنظر إلى بساطة العقوبة المقررة، هذا من جهة.
ومن جهة أخرى قد يتبادر إلى الذهن مادام أنه ما دام تفسير الفعل المُخلِ بالحياء والقيم الإسلامية متروكاً للقاضي، فإن تكييف الجرم هنا قد يُثير إشكالا مُعقدا عند التفسير والتكييف في أفعال مشابهة؛ فمثلا بالرجوع إلى حادثة حرق الكتب المالكية التي أقدم عليها رئيس مبادرة انبعاث الحركة الإنعتاقية "إيــرا" بيرام ولد الداه ولد اعبيدى، أدين حينها بنفس المادة: 306 من القانون الجنائي الموريتاني وتم تكييف فعله بأنه اعتداء على المقدسات الوطنية "وإخلال بالقيم الإسلامية" واستهزاء بمشاعر المسلمين.
ولعل الأمر نفسه أدينت به فتاة موريتانية تدعى: ليلى مولاي و الشاب حمزو أبراين. عند تصويرهما لأغنية:Nouakchott) Fromm (It started على شاطئ انواكشوط وطريق المطار القديم، وفي واقع الأمر إذا تركنا للقاضي تفسير "الفعل المخل بالحياة والقيم الإسلامية" الوارد في نص المادة المذكورة أعلاه، قد يتبادر في الأمر شيء مما نسميه في لغتنا المحلية ب: "تاش علبة" أو بلفظ عبارة أخرى: "يمي عينك عين النعجة". بمعنى أن تفسير الفعل قد يفسر بتأويلات عدة وهو ما يُثير الإشكال الذي قصدناه بالإشارة على أنه لغز المادة الذي قد يدان بيه أي شخص ما دام التفسير مطلقا لسلطة القاضي كما حدث مع أصحاب أغنية (بدأت من انواكشوط)، إن صحت الترجمة، والإدانة هنا أن الفتاة ظهرت في تصوير الأغنية ترتدي فستان دون الملحفة وهذا حسب عادات المجتمع ونص المادة مخل بالحياء والقيم الإسلامية للمجتمع الموريتاني، ولعل من باب ما يتبادر إلى الذهن مرة أخرى إمكانية تطبيق المادة: 306 على الأقلية الزنجية ذي الأعراق المختلفة من المجتمع الموريتاني الذين غالباً ما نراهم أو نشاهد أغلبهم في صور شبه عاري، أو بالكاد في ثيابٍ أقل ستراً للعورة، من ما أًدينت به الفتاة ليلى مولاي.. فما كُـنا نأمله من المشرع الوطني هو أن يتنبه للثغرة الموجودة في نص المادة ويننتصر للحقِ حقاً، ويُعيد صياغة المادة: 306 من القانون الجنائي الموريتاني بشكل يُزيل عنها اللبس والغموض أو أن يُعدل الفقرة من أصلها، فالحفاظ على سيادة القانون وضبط النظام العام يجب أن لا يقل شأناً عن المحافظة على قيم المجتمع وتربية أجياله وتأديبهم "بالقانون الرادع ولا بالقانون المُــؤدب"، فما أحوجنا إلى "التربية قبل التهذيب" أولا لنتدرج إلى التهذيب ثانياً، ولعل الإجابة نرصدها لدى وزارة التهذيب والمتتبعون لفلسفة النص القانوني.

  شارك المقال: