لبلوح أو تسمين النساء : من مظهر جمالي ولازمة للزواج إلى مرض تكافحه الطب والسياسة

رغم أنها تعاني آلاما حادة في المفاصل وارتفاع ضغط القلب وعدد من الأمراض الأخرى إلا ن ميمونة بنت محمد تؤكد أن ’’كل أحاديث الإذاعة والتلفزة عن البلوح ليست إلا تفاهات تريد أن تجعل من المرأة رجلا قبل أن تقتلها بالنحافة ’’ على حد تعبيرها.
وتضيف ميمونة وهي سيدة خمسينية عاشت شطرا من عمرها في البادية الموريتانية وخبرت حياة البدو وثقافتهم وتقاليدهم،كما عاشت سنين في مدنية نسبية على حد تعبيرها لاتزال مقتنعة بضرورة ’’ البلوح ’’ بالنسبة لكل الفتيات’’ مرددة على أسماع منتقدي هذه الظاهرة الغريبة أن ’’ المرأة تأخذ من القلب ما تأخذه في مقعدها’’ وأن السلف كانوا يقولون ’’ ما رأينا أحسن على رجل من علم ولا أحسن على امرأة من شحم’’
ورغم كل البرامج الإعلامية والمخططات التربوية التي أعلنت عنها مؤسسات الدولة الموريتانية للقضاء على هذه الظاهرة أو الحد من تأثيراتها الصحية،فإن ميمونة تؤكد لكل معترض أن ’’ محاولات النصارى ومن يردد أفكارهم لجعل بنات البيظان مثل الرجال،في السرعة والنحافة لايمكن أن تقنع أحدا فلابد أن تحتفظ المرأة بخصائصها ومن أبرزها الحفاظ على ’’ثقافة لبلوح’

لبلوح ..تقاليد وطقوس غريبة

تعتبر عادة ’’لبلوح’’ أو تسمين النساء إحدى العادات المترسخة في الثقافة الموريتانية،وتحيل هذه الكلمة ذات الأصول العربية التي تعني الإعياء والإثقال جملة الممارسات التي تستخدمها الأمهات في موريتانيا من أجل تسمين بناتهم،باعتبار ذلك لازمة لابد منها لتزويج البنت زيادة على أنه دليل على اليسار والغنى بالنسبة للأسر.
وتبدأ طقوس هذه العادة في سن مبكرة جدا بالنسبة للنساء حيث تبدأ هذه الطقوس في السن الخامسة،حيث تبدأ الأسرة بتخصيص نظام غذائي خاص للبنات يعتمد أساسا على اللبن،بالنسبة لسكان البدو والريف الموريتاني،حيث يجب على البنت أن تشرب يوميا ما يقارب خمس لترات من اللبن كما أن عليها أن تضاعف كميات الطعام التي تتناولها في جميع الوجبات اليومية،إضافة إلى زياد وجبتين جديدتين عند الضحى وأخرى في المساء لتبلغ ’’لبلوح ’’ خمس وجبات يومية،مضاعفة في الكم.
وتعاني الفتيات من صعوبات كثيرة في التعامل مع هذا الوضع الجديد،مما يجعلهن عرضة لنظام تأديبي صارم،يوجب الانضباط التام في تناول الوجبات المخصوصة،وهل يتطور الأمر إلى الإيذاء الجسدي ضد الفتيات اللائي لاينسجمن مع ’’لبلوح’’
ولفاعلية أكثر لهذه العملية الشاقة في وقت قصير غالبا ما تقوم الأسر بالتعاقد مع سيدات متخصصة في مجال البلوح،وحينها على الفتاة أن تنتقل إلى منزل ’’البلاحة’’ حيث ستواجه أقصى أنواع العقوبة إذا هي فكرت في الامتناع عن تناول طعامها الجديد أو على الأقل تقيأت أثناء تناولها له.
وحينما تصر الفتاة على رفض الاستمرار في تناول الطعام أو تشعر بالإعياء فإنها ستواجه عقوبة ’’ آزيار’’ وهو شريط جلدي مغروس برأسين خشبيين حادين يتم غرس أحدهما في أصابع أرجل الفتاة أو باطن قدمها وتقوم ’’البلاحة ’’ بسحب الثاني بشدة مما يحدث آلاما
شديدة.
أما الأسر التي لا تملك وسائل مالية مقدرة للتموين عملية ’’لبلوح’’ فإنها تعتمد في الغالب على وسيلة معروفة وهي الالتحاق بالرعاة المؤجرين الذين يرعون قطعانا كبيرة من الإبل أو البقر،حيث يسمح هؤلاء باستضافة بعض الأشر لمدة شهر أو اثنين،حتى تتمكن الفتيات من الولوج إلى عالم السمنة الذي يتطلب الحصول عليه في موريتانيا مجاهدة كبيرة وطقوسا وأساليب مرعبة في بعض الأحيان.

ويؤكد خبراء اجتماعيون أن ظاهرة لبلوح جزء مهم من ملامح مجتمع البيظان في موريتانيا توارثها منذ عصور متعددة ويذهب آخرون إلى أن هذه العادة الغريبة ظهرت في المنطقة منذ قرون عديدة وتحديدا في عهد المرابطين كما حظيت بإجماع من مختلف طبقات المجتمع

مظهر للغنى وشرط للزواج

بحسب عدد كبير من النساء الموريتانيات فإن ممارسات البلوح ظلت إلى عهد كبير دليلا على اليسار وعلى أن الأسرة الموريتانية تملك ما تعول به بناتها،ولادليل على ذلك غير مضاعفة وزن المرأة عدة أضعافا ليتبين لاحقا أنها ابنة أسرة ذات يسار،وتؤكد مريم السالمة هذا المعنى قائلة ’’ لابد من البلوح لكل فتاة ..وعارعلى أبيها وإخوتها أن تظل ابنتهم نحيفة أو رشيقة كما تظهر بنات المدارس اليوم،لقد كان الآباء والأمهات يدفعون على كل شيئ من أجل تأمين الحلائب والزرع والأرز الذين سيستخدمان في صناعة الحساء والعصيدة،وغيرها من الوجبات اللازمة للبلوح,,

لكن سببا آخر ربما كان الأهم بالنسبة لكثير من الأسر الموريتانية يدفع إلى الاستمرار في ظاهرة لبلوح وهي استعجال الزواج،حيث يقبل الرجال الموريتانيون في الغالب على الزواج من السيدات البدينات فيما تظل ’’ً صاحبات الرشاقة’’ أقل حظا بالنسبة للكثير.
وتؤكد أم الخير وهي سيدة سبعينية أن ما يعانيه أغلب فتيات العصر من عنوسة متفاقمة،هي إحدى نتائج التوقف عن لبلوح أما في الماضي فقد كانت الفتاة تتزوج وهي بنت أربعة عشر سنة وربما تزوجت قبلها لالشيئ سوى أن البلوح سمح لها أن تظهر كما لو كانت امرأة راشدة.

التسمين ..بأي ثمن

رغم الدعوات الرسمية والشعبية إلى وقف ظاهرة لبلوح إلا أنها لاتزال حاضرة بقوة في حياة المواطنين الموريتانيين،وفيما تعقدت وسائل الحياة في المدينة وأصبح الحصول على كميات معتبرة من الحليب أمرا في غاية الصعوبة بالنسبة للأسر الفقيرة والمتوسطة،فإن بعض السيدات الراغبات في السمنة لجأن إلى وسيلة أخرى في غاية الغرابة رغم أن مخلفاتها الصحية خطيرة جدا،حيث عمدن إلى تناول حبوب زيادة الوزن أو ما يعرف في موريتانيا بــــــ’’حب البقر ’’ وتؤكد السيدة خدجة بنت محمد أن إحدى بناتها تناولت هذه الحبوب وأصيبت بحدة في الشهية جعلها تلتهم كل ما تجده أمامها لكن في المقابل حصلت على السمنة التي كانت تبحث عنها وظهرت كما لو أمضت سنة كاملة في البادية عن ’’البلاحات’’ لكن أشهرا قليلة كانت كفيلة بتدهور صحة الفتاة وردها إلى وضع مزر جدا حيث أصيبت بارتفاع ضغط القلب وآلام شديدة في المعدة والمفاصل،قبل أن تعود إلى حالتها الأصلية ورشاقة غير معتادة.
ويؤكد أطباء موريتانيون خطر استعمال تلك المواد المعروفة بحب ’’البقر ’’ أو حب ’’ادرك ادرك’’ ويؤكد أحد هؤلاء قائلا "هذه المواد التي يطلق عليها شعبيا "حبوب ادرك ادرك"هي مواد هرمونية تحبس السوائل داخل الجسم ويظهر ذالك في انتفاخ الوجه والفخذين والرقبة وهو ما يطلق عليه السمنة الكاذبة كما يوصف انتفاخ الوجه با "الوجه القمري ".تسبب هذه المواد القرحة المعوية وهشاشة العظام واضطرابات في الغدد بالاضافة الي نقص المناعة وبالتالي سهولة دخول المكروبات في الجسم .

ويؤكد طبيب آخرأن أضرار هذه الحبوب تعتبر اخطر من ممارسات البلوح الطبيعي،فهي مكونة من مشتقات كورت اكوين والتي يتهرب الاطباء عادة من وصفها للمرضي إلا في حالات حرجة ".

أخطار صحية وإنسانية

تصنف الجمعية الموريتانية لحماية الأسر الموريتانية ظاهرة لبلوح ضمن أساليب العنف ضد المرأة وتؤكد رئيسة الجمعية السيدة آمنة منت اعل ضرورة اتخاذ إجراءات عقابية صارمة ضد من يمارسن عملية ’’تبلاح الفتيات الصغيرات’’ بل تذهب إلى ضرورة اعتبار ذلك جريمة موازية لجريمة استرقاق البشر.
وتكشف منظمات حقوقية في موريتانيا أن معظم النساء اللائي تتجاوز أعمارهن 40 سنة يحملن قناعة تامة بأن لبلوح ظاهرة صحية وضرورية بالنسبة للمرأة،فيما تعرب أغلب الفتيات عن رفضهن لهذه الممارسة،وتؤكد إحدى الطالبات الجامعيات قائلة ’’بإمكانك أن تنظر إلى أكثر من 100 طالبة في جامعة نواكشوط ليس فيهن من يظهر أنها تعرضت لهذا البلوح إن أحجامنا بدت متقاربة ولسنا مقتنعين بالحجج التي تسوغها الجدات في هذا المجال’’
وتؤكد فتاة أخرى تعرضت لعملية بلوح فاشلة’’ لقد كان أمرا مرعبا ومقززا في آن واحد كان علي أن أظهر كما لو كنت أنبوبا يبتلع كل شيء ومع ذلك أشعر بالارتياح الآن لأن مارست لبلوح وأيضا لأن فترته لم تصل فأنا الآن في حالة وسط لا أرغب بتلك الرشاقة الحادة ولا ذلك السمن المفرط’’

أضرار صحية

بحسب برامج التوعية التي بثتها وسائل الإعلام الرسمية في موريتانيا خلال السنوات الماضية فإن أضرار ’’لبلوح ’’ مدمرة جدا ويمكن اختصارها في نفس الأضرار الصحية المرافقة للسمنة بدأ من ارتفاع ضغط القلب وتصلب الشرايين والسكري والتهاب المفاصل وتأّكلها خاصة المفاصل التي يرتكز عليها وزن الجسم إضافة آلام العمود الفقري والقصور الوظيفي للكبد،زيادة على الميل إلى الخمول والكسل وبلادة الذهن وصعوبة التحرك وفي بعض الأحيان تعذرها عندما تبلغ المرأة سنا متقدمة
ولتجاوز هذه الأضرار المتفاقمة تلجأ النساء في الغالب إلى رياضة المشي وتمارس بعض منهن بعض الرياضات البسيطة في مراكز مخصصة لذلك.

ظاهرة لبلوح ملمح من عادات البيظان وجزء من الهوية الصحراوية التي حافظت عليها النساء عدة قرون،قبل أن تصنف لاحقا ضمن الممارسات العنفية ضد المرأة،ورغم ذلك لاتزال مئات النساء الموريتانيات مصرات على ’’تبلاح بناتهن ’’كل خريف.

  شارك المقال: