قراءة في مشروع قانون مكافحة العنف ضد النساء و الفتيات

زودني أحد النواب -مشكورا- بنسخة من مشروع القانون المتعلق بمكافحة العنف ضد المرأة، و سأحاول تقديم هذه المساهمة لعلها تساعد في فهم أو تقويم المشروع، و سيكون ذلك من خلال مايلي:

1_ بنية النص

تضمن مشروع القانون 55 مادة موزعة على ستة فصول، و قبل الوصول إلى متن النص لا بأس بحفريات عن جذور النصوص المكرسة لحماية النوع.

2- جذور قوانين النوع

مثل كتاب " الجنس الآخر" للكاتبة الفرنسية سيمون دي بوفورا simone debeauvoir " إنجيل الحركة النسوية حول العالم، حين هزت تلابيب الهوية الطبيعية بمقولتها الشهيرة" المرأة لا تولد امرأة بل تصبح امرأة"!!

و هكذا أصبحت العولمة المؤسسة على مفهوم " الجندر " gender الأساس النظري و المطلبي لأغلب التشريعات المكرسة لحماية النوع، بعد احتل مضمون مابعد الحداثة التشريعي، فانثنت أمامه قيم قانونية عتيدة دعمت مداميكها على مبدإ العمومية و التجريد الذي هو أحد خصائص القاعدة القانونية، فأصبحنا أمام قواعد قانونية تميز على أساس النوع! معلنة موت فلسة القانون المؤسسة على العدالة العمياء التي لا تميز على أساس اللون أو الجنس أو النوع!

و قد شكلت مؤتمرات الأمم المتحدة القوة الضاغطة لإقرار تشريعات حمائية على أساس النوع، فأوصى مؤتمر روما الخاص بإنشاء المحكمة الدولية سنة 1988 بأن أي تمييز بين الرجل و المرأة على أساس النوع يشكل جريمة ضد الإنسانية، لكن الخوف من التمييز قد أفضى في النهاية إلى تمييز!

و في نفس الاتجاه أوصى مؤتمر لاهاي سنة 1999 بتشكيل منظومة قيمية لتحطيم الصور التقليدية القائمة على أساس النوع.

و قد أدى هذا التأثيث النظري إلى ما يمكن أن نسميه "خوصصة الجندر" فأصبح الجندر مرتبطا بشعارات الحركة النسوية المنادية بتفعيل " النزعة الأنثوثة" في مواجهة قيم" المجتمع الذكوري" خصوصا في البلاد العربية و الشرق عموما.

3 _ التسمية

أطلق مشروع القانون على نفسه" مكافحة العنف ضد النساء و الفتيات" و بذلك عطف الفتيات على النساء،والعطف يفيد مغايرة المعطوف للمعطوف عليه مع اشتراكهما في الحكم. و النساء لغة جمع امرأة و الفتاة مؤنث أنثى،حسب ما ورد في معجم المعاني الجامع.لكن هذه التفرقة ربما وجدت أساسها في اللغة الفرنسية التي تفرق بين النساء على أساس الزواج، فتطلق على المتزوجة " la dame " أي السيدة و غير المتزوجة " damoiselle" أي الآنسة.

و هذا المعنى الضيق لكلمة نساء يجد سندا آخر في الثقافة العربية الإسلامية، فقد وردت في القرآن عدة آيات تحمل على هذا المعنى كقوله تعالى:" و إذا طلقتم النساء فبلغن أجلهمن فامسكوهن بمعروف".صدق الله العظيم، فعبارة النساء هنا تقتصر على المتزوجات و لا تشمل غيرهن.

لكن بالمقابل ثمة آيات كثيرة أخرى تدخل الفتيات ضمن النساء كقوله تعالى:" يستفتوك قل الله يفتيكم في الكلالة إن امرؤ هلك ليس له ولد و له أخت فلها نصف ما ترك و هو يرثها إن لم يكن لها ولد، فإن كانتا اثنتين فلهما الثلثان مما ترك و إن كانوا إخوة رجالا و نساء فللذكر مثل حظ الأنثيين". صدق الله العظيم.

و كلمة النساء هنا وردت بمعنى الأنثى في جميع مراحلها العمرية،و كان على مشروع القانون أن يعتمد هذا المفهوم الواسع لكلمة نساء، تفاديا للعناوين المركبة غير المحمودة أكاديميا و فنيا.

4_ التعريفات

خصص مشروع القانون المادة:2 للتعريفات و عنونها ب " التعاريف.و التعريفات و التعاريف صحيحتان من الناحية اللغوية، لكن بالعودة إلى معاجم اللغة و كثرة استخدام الأقدمين نلاحظ أن جمع التعريف على "تعاريف"هو الأفصح و الأكثر انسجاما مع اللسان العربي بدليل أن علي بن محمد بن علي الزين الشريف الجرجاني سمى كتابه" التعريفات".

و على ذلك فحبذا لو اعتمد المشروع عبارة تعريفات بدل تعاريف إن كان لابد من ذلك أصلا، فإذا تجاوزنا الترجيح اللغوي، فإن التعريف التشريعي يحد من مرونة المعرف و يغل يد القضاء عن التوسع في التفسير حسب المستجدات الاجتماعية و الاقتصادية، مما قد يضر بالمتضررين( عبد العزيز توفيق، عقد التأمين في التشريع و القضاء، دراسة تأصيلية، المكتبة القانونية2، ط.3، 1988، ص:30).

تعريف العنف ضد النساء و الفتيات


عرف مشروع القانون العنف ضد النساء و الفتيات في المادة:2 بأنه:" أي عنف موجه ضد الإناث يتسبب أو قد يتسبب في إلحاق أذى أو معاناة بدنية أو جنسية أو نفسية أو أدبية أو اقتصادية أو ثقافية بالنساء و الفتيات بما في ذلك التهديد بمثل هذه الأعمال أو الإكراه أو الحرمان التعسفي من الحرية، سواء في الحياة العامة أو الخاصة".

و يتبين من التعريف أنه يوسع مجال الضرر ليشمل الضرر الجنس prėjudice sexuel " فللمغتصبة أن تطالب بالتعويض عن الضرر الجنسي الذي لحقها.

و هذا الاتجاه له ما يعززه في الفقه الإسلامي، فبعضه يعترف للمغتصبة بحقها" في الصداق و أرش فض البكارة.".

لكن النص تطرق لضرر جديد لم يسبقه إليه أحد من العالمين و هو الضرر الثقافي! و الثقافة لغة حسب ما ورد في لسان العرب" من ثقف: ثقف الشيء ثقفا و ثقافا و ثقوفة" و اصطلاحا هي " الرقي في الأفكار النظرية"و هذه القيم يزرعها المجتمع و لا يمكن أن ينتزعها، ربما أراد المشرع ضرر الحرمان من مباهج الحياة و متعها، المعروفة في الفقه الفرنسي ب" prėjudice ďagrėment " أو ما يترجمه بعض الفقه إلى اللغة العربية بضرر الصبا، أي الضرر الذي يلحق الطفل في صباه و يحرمه من ممارسة حياته بشكل طبيعي كبقية أقرانه.

تعريف الاغتصاب

عرف مشروع القانون الاغتصاب بأنه:" أي وطء جنسي من أي نوع كان خارج إطار الزواج، يرتكب ضد فتاة عن طريق العنف أو الإكراه أو التهديد".

و القراءة الأولية لصدر المادة توحي بأن المشرع استغرق الزنا في الاغتصاب وجعل أي وطء خارج الزواج اغتصابا، لكنه بعد ذلك أردف أن يكون عن طريق العنف أو التهديد، فأعاد للاغتصاب هويته.

و قد حافظ النص على الشرطين التقليديين للاغتصاب الذين هما عدم شرعية الوطء و الإكراه، و بذلك خالف بعض التشريعات الغربية التي تعد الإكراه على الوطء اغتصابا بغض النظر عن شرعية العلاقة.

م 5 من المشروع


نصت م 5 من مشروع القانون على أنه:" لا يمكن للعقوبة السالبة المحكوم بها أن تقل عن الحد الأدنى المنصوص عليه.".

و هذه المادة تثير الاستغراب، لأن العقوبة المحكوم بها لا يمكن أن تقل عن الحد الأدنى المنصوص عليه، لكن ربما يقصد مشروع القانون عدم إمكانية تجنيح الجرائم المتعلقة بالعنف ضد النساء أو الفتيات.

و قد تضمن الفصل الثاني و الثالث من مشروع القانون تدابير مهمة للنساء و الفتيات كالكشف و التوعية و الحلول الإصلاحية للمدانين بجرائم العنف ضد النساء و الفتيات...

بينما خصص الفصل الرابع للعقوبات، و سنتطرق لهذه العقوبات تباعا:

عقوبة الاغتصاب


نصت م 24 على أنه:" دون مساس بعقوبة الحد المنصوص عليها في المادة: 309 من القانون الجنائي، يعاقب كل من يرتكب جناية الاغتصاب بالحبس من 10 سنوات إلى 20 سنة ".

و هذه المادة تقتضي وضع عدة هوامش، فعلى الرغم من أن موضوعها يشكل رأس الرمح في إقرار القانون و هو لبوسه العاطفي و الاجتماعي و الموضوعي، فإنها جاءت بردع دون المأمول فقد عادل عقوبة محاولة الاغتصاب الواردة في المادة: 309 من القانون الجنائي.

و لا فائدة من النص على أنه " دون مساس بعقوبة الحد المنصوص عليها في المادة: 309 " لأن قانون العنف ضد النساء و الفتيات نص خاص؛ و القانون الجنائي في هذا الصنف من الجرائم، أصبح نصا عاما و بالتالي لا يلجأ إليه إلا في حالة عدم وجود النص الخاص، و فقا لقاعدة الخاص يقيد العام.".

  شارك المقال: