
قال أحدهما للآخر:
ما هذه الأمواج البشرية القادمة إلى هنا من كلِّ حدبٍ وصوب؟
فأجابه صاحبه:
هذه هي روافد التكوينة الجديدة لهذه الدولة الجديدة، دولة من لا دولة له، التي تشكَّلت على أنقاض دولة موريتانيا.
و"موريتانيا" هو الاسم الذي أطلقه الرومان على كافة الأراضي المعروفة الآن باسم المغرب العربي إبان احتلالهم لها. لكن العرب والمسلمين، عندما حلّوا محلَّ الرومان في ربوعها، أطلقوا عليها أسماء أخرى مثل: ليبيا، وتونس، والجزائر، والمغرب، وشنقيط.
وعندما جاء المحتل الفرنسي، حاول إعادة الأسماء الرومانية إلى هذه البلاد، تيمنًا بأسماء بني عمومته الرومان، إلا أنه فشل في ذلك بسبب قوة مقاومة شعوب المغرب العربي، باستثناء موريتانيا، التي قبلت باستعادة الاسم الروماني القديم لها.
ولما رحل الاستعمار الفرنسي، منح الاستقلال لهذه المستعمرة مع الإبقاء على الاستعمار اللغوي والثقافي لها. فانقسم شعبها بعد ذلك إلى فئتين:
فئة النخبة الحاكمة، التي انشغلت بالاستحواذ على خيرات البلد والانغماس في الملذات والملاهي، بدل خلق مؤسسات التنمية والحكامة الرشيدة.
وفئة يعصف بها الجهل والمرض والجوع والتخلف، وتصطرع من أجل البقاء.
وهذا ما قاد الشريحة الشبابية منها إلى الهجرة، والعجزة إلى الموت.
وهنا يقول المحاور المهاجر الغريب لنظيره:
لقد انهارت الدولة على رؤوس ما بقي حيًّا من مكوِّناتها، وأُعيد اسمها الأول قبل مجيء الرومان إليها: "أرض السيبة".
فعلمت بذلك الشعوب التي لا دول لها، فتقاطروا عليها كما ترى، وها هم يؤسسون على أرضها هذه دولة، اختاروا لها اسمًا:
"دولة من لا دولة له."