أحلام أنثى تم وأد طفولتها ..

هدى فتاة لها أحلام ككل الفتيات، إلا أن أحلامها تختلف عن أحلام الفتيات التقليديات، فحلمها التفوق في دراستها وإكمالها خارج موريتانيا، والحصول على أعلى شهادات.

لم تتصور يوما أن حلمها هذا الذي تخيلته حقيقة أكثر من مرة سينتهي قبل أن يبدأ، فكونها وحيدة أبويها ومدللتهما، أنساها إنتمائها لمجتمع ذكوري لا مكانة للمرأة فيه غير بيتها والاهتمام بزوجها وأبنائها ..

ففي مجتمعها تربى البنت على أن حلمها الوحيد والأجمل أن يأتي ابن عمها ويذهب بها الى أمه وتعيش معها نصف عمرها ولا تفكر الا في الانجاب والاهتمام بما يرضي زوجها .. وكل من حققت الحلم قبل البلوغ تعتبر محظوظة وبطلة وقدوة فهي إجتازت أصعب إمتحان وحصلت على أعلى رتبة وكللت بوسام "الحوص فالداروكه"

كان خوف هدى الأكبر أن يحل بها ما حل بزميلتها التي أجرت معها إمتحان مدرسة الامتياز لتخرج النتائج بعد أسبوع ويعلن عن تفوقهن وطلبهن للتكريم، لكنها لم تأتي للحفل فقلق الجميع عليها وتساءل عن غيابها خوفا من أن يكون المرض منعها من الاحتفال بنجاحها، ليخبرهم أحد معارفها أنها لا تعاني أي خطب وأن ما منعها لم يخطر على بال أحدهم، فكيف لهم أن يتوقعوا جريمة بهذا الحجم في حق الإنسانية، لم يتصوروا أنه مزال على وجه الأرض أحمق بهذا الكم من الجهل والقسوة ليسلب طفلة في ربيعها الثالث عشر برائتها ونقائها ومستقبلها.
وهل حقا هناك أبوين بهذا القدر من التخلف والا إنسانية يمكن أن يقدمان زهرتهما على طبق من ذهب لتحمل مسؤولية كبيرة لا قوة لها على تحملها، وتقديم رعاية وإهتمام مازالت هي نفسها بحاجة لهما.

أثرت تلك الحادثة في نفس هدى كثيرا، وأصبح الخوف على مستقبلها هو همها الأكبر، وهاجسها المؤرق.

إلا أن تفكيرها في رقي أبويها وثقافتهما ووعيهما كان هو المخفف لخوفها،
فكلما تصورت نفسها ضحية للعادات والتقاليد كصديقتها، كان وعي وتفتح أبويها هو بصيص الأمل الذي ينير دربها في المضي قدما للوصول إلى مبتغاها،
لم تعرف أن كل ذلك المستوى والرقي هو نقطة في بحر جبروة العادات والتقاليد،
وأن مجتمعها مجتمع شرقي رقيه سطحي يتجسد في طريقة اللبس والبناء فقط،
فهي لم تنسى أسوء يوم في حياتها والذي كان من المفروض أن يكون أجمل،
ما زالت تتذكر كل تفاصيله وكأنه لم يمض عليه غير بضعة ثوان، كان يوم نجاحها وحصولها على شهادة ختم دروس الإعدادية، علمت بنجاحها فطارت فرحا، وجلست تنتظر وصول والديها من العمل بفارق الصبر، كي تزف لهما الخبر، لكن دقائق الانتظار لم تطل فقد ملئتها بالتفكير في مشوارها الدراسي الذي خطت أول خطوة ناجحة في سبيله، تصورت نفسها تحتفل بحصولها على الباكالوريا بمعدل يمنحها للإكمال خارجا، قارنت بين دموع الحزن التي ستوادع بها وهي ذاهبة ودموع الفرح والفخر التي ستستقبل بها وهي راجعة من مناقشة رسالتها وحاصلة على علامة إمتياز، ابتسمت لا إراديا فمجرد التفكير منحها سعادة لا توصف،
بينما هي تعيش اللحظة قبل حدوثها، رأت والديها قادمين،
واتجهت إليهما بخطى مسرعة، ووجه مبتسم، وصوت يهتف فرحا لقد نجحت لقد نجحت، ابتسما واحتضناها بسعادة، وتعالت أصوات الأدعية والحمد والثناء،
لكن الفرحة سرعان ماتلاشت بعد ساعات من التبريكات والتهاني والهدايا،
حين طلبت منها أمها الدخول معها إلى إحدى الغرف لتخبرها بشيء،
وأي شيء؟ هو أسوء وآخر شيء كانت تنتظر سماعه، خصوصاً هذه اللحظة،
أخبرتها أن هناك من تقدم لها وكان ينتظر انتهائها من الامتحان وتعبه والتفكير في نتائجه،
وأن اللحظة قد حانت فالامتحان انتهى والنتائج ظهرت، فلم يعد هناك ما يشغلها إذن فالتبدأ في التجهيزات ودعوة صديقاتها،
لكن الصدمة الأكبر حين علمت أن الخطبة جرت منذ أشهرعلى ما يبدو وهي آخر من يعلم، فضلا عن أن يأخذ برأيها ويسأل عن رغبتها،
تحولت الفرحة إلى حزن انهمرت الدموع وساد الصمت نظرات العتاب والخيبة والألم كانت هي سيدة الموقف،
نطقت الأم بعد كل لحظات الصمت تلك وليتها لم تنطق، فقد سكبت زيت على النار وزادت الطين بللا،
قالت وهي تربت على كتفها وتهم بالخروج امسحي دموعك بنيتي واحمدي الله، فهذه فرصة تتمناها الكثيرات، وهي مصيرك مهما حصلت عليه من الشهادات، فلماذا كل ذلك التأخير والتعب،
وان كنت تريدين إرضائي انا ووالدك وافقي بكل سعادة وبدون أي اعتراض،
خرجت لكن ليست وحدها، فقد أخذت معها كل لحظة حلوة قد عاشتها هدى وهدمت كل أحلامها ومخططاتها، وقتلت آخر بصيص أمل كانت تتمسك بيه حين أخبرتها بموافقة والدها هو الآخر فقد كانت تظن أو تتمنى أن يكون هو المدافع عنها المتحرر من النظرةا وا والقيود المتخلفة التي ستقف عقبة في طريق بلوغها حلمها،
خرجت وقد نزعت حياتها من أي لون ينيرها وهدف يمنح رغبة في التمسك بها وأكدت لها أن الطبع أملك حقا .. خاطرة بقلم مناته بوسالف


  
صوتك
www.swatak.net
2018-03-08 21:02:24
رابط هذه الصفحة:
http://sawtak.info/article2959.html